كيف أربّي أولادي؟
"رَبِّ الْوَلَدَ فِي طَرِيقِهِ، فَمَتَى شَاخَ أَيْضًا لاَ يَحِيدُ عَنْهُ" (أمثال 22: 6)
في العصور الماضية كانت تربية الأطفال أو تهذيبهم أموراً ضرورية ومتوقعة بأية طريقة كانت، أمّا في زماننا الحاضر، فقد تغيّرت هذه الفكرة تماماً وأصبحت اللامبالاة هي سيدة الموقف في تربية الأطفال بالطريقة الصحيحة والحكيمة.
يذكر الكتاب المقدس عدّة مرّات أهميّة تربية الأطفال بطريقة نافعة وصحيحة، ففي (أمثال 13: 24) نقرأ: "مَن يمنع عصاه يمقت ابنه، ومن أحبّهُ يطلب له التَّأْديب"فإذا كنت تحب طفلك ستؤدّبه، فإنّ الحبّ ليس بترك الطفل يفعل ما يريد وبتدليله. هنا نجد أنّ تهذيب الطفل بحزم يعلّمه الحكمة ويبعد عنه الجهالة. إذ ليس من المحبة أن يترك الأب ابنه بلا تأديب لكي تنمو في داخله ميول ونوازع خاطئة تسبب له الخراب في المستقبل. لكن مِن المهم جدّاً أن يكون لدينا الفهم الحقيقي للتأديب، فالتأديب لا يعني ضرب الطفل بغضب وعنف، فوفقاً لتقارير منظّمة الصحّة العالمية 90% من الأطفال في العالم يتعرّضون للضرب فيكون لدى الطفل عصبية ومرارة فلا بدّ أن يغيّر الأهل أسلوب التعامل مع الأبناء خاصّة أنّ العلاقة بينهم تعتمد على الترهيب فيكون لدى الطفل غضب مِن كل ما يحمل رمز السلطة ويكون التمرّد على السلطة جزءاً مِن تركيبة الطفل الذى يُهان في بيته، فينشأ جيل متمرّد على السلطة يخالف القانون ولا يتورّع عن اللجوء إلى العنف حتى في وجه الأبوّة التي علمته أن العنف يحل أية مشكلة.
ولهذا كله نجد أنّ الكتاب المقدس يذكّرنا بتربية الأبناء وهم صغار وبحرص شديد حتى لا يتمرّدوا على رموز السلطة بسبب التربية الخاطئة، وبالتالي هذا يؤثر على علاقة الأبناء مع الله وعدم إطاعة تعاليمه ووصاياه. فتربية الأولاد يجب أن تكون قائمة على حفظ شرائع الله والاعتراف بأخطائهم مهما كانت صغيرة أو كبيرة، فنقرأ مثلاً في (مزمور 94: 12) "طوبى للرّجل الَّذي تؤدّبه يا ربّ، وتعلّمه مِن شريعتك"وأيضاً نعرف مِن سفر الأمثال أنّ مخافة الرّبّ هي رأس الحكمة، أمّا الجاهلون فيحتقرون الحكمة والأدب (أمثال 1: 7). فإذا تعلّم الابن وهو صغير سيصبح رجلاً حكيماً يخاف الله ولا ينسى ما تعلّمه منذ صغره كما يقول المثل: "التعلم في الصغر كالنقش على الحجر" وكذلك لا يحيد عن طريقه أبداً "ربِّ الولد في طريقه، فمتى شاخ أيضًا لا يحيدُ عنهُ" (أمثال 22: 6).
ولكن ما هي بعض الطرق لتربية أبنائنا؟
1) يجب أن تكون التربية بالحب. الكثير من الناس يعتقد أنّ التربية بالعقاب الجسدي أو الأساليب الوحشية مثل الضرب الشديد أو الصراخ هي مِن أفضل أنواع التربية أو العقاب، ولكن للأسف هذا غير صحيح. هذا يجعل الطفل يطيع والديه خوفاً منهم وليس حباً بهم واحتراماً لهم أو باقتناعه أنّه لا يجب أن يفعل هذا لأنه خطأ. إذا تربّى الطفل بالمحبة سوف يحبّ أبويه ويطيعهما ويفعل الشيء الصحيح بكل حبّ وسعادة.
2) تربية الطفل بالصداقة، بمعنى أنّه على الوالدين أن يصادقوا أبناءهم حتى يستطيعوا أن يصلوا إلى قلوبهم وعقولهم. فالطفل يرى والدَيه ليس فقط كوالدين ولكن كصديقين المقرّبين أيضاً والذين يفتح لهما قلبه بكل طمأنينة ويخبرهما عن كل شيء يفعله أو يحدث معه، ويسمع لهما عندما يرشدانه.
3) التربية بالصلاة: يجب تعليم الطفل أنه يوجد هناك صديق ألزق من الأخ (أمثال 18: 24) يرافقه في كل لحظات حياته، فيكبر الطفل وفي ذهنه شعور بالاطمئنان لأن له في شخص السيد المسيح ذلك الصديق الحقيقي الألزق من الأخ، كما يصفه الكتاب المقدّس.
4) تربية الطفل بالمشاركة: مشاركة الطفل في بعض الأشياء التي يفعلها في يومه مثل مشاركته الرسم أو التلوين أو القراءة تساعده على أن يتعلم أهمية المشاركة مع الآخرين، ليس فقط بهدف إسعادهم ولكن لينال هو السعادة أيضاً. وبنفس الوقت، علينا أن نجعل الطفل يشاركنا في أعمالنا المنزلية مثل مسح طاولة الطعام أو ترتيب الملابس أو تنظيف غرفته، فهذا يعطي الطفل ثقة بنفسه ويتشجّع بأنه يستطيع أن يفعل بعض الأشياء النافعة. كما تأخذ المشاركة معنى آخر وهي أن يشارك ما لديه مع الآخرين، فإذا تعلّم ذلك داخل البيت مع إخوته أو والديه سوف يعتاد على ذلك مع الآخرين.
5) التربية بتفريغ الطاقة: يمكن تفريغ طاقة الأولاد أول بأول في عمل إيجابي بناء مثلاً الطاقة البدنية في الرياضة كالسباحة أوكرة القدم أوبعض الأعمال المنزلية بدلاً من أن تهدر في عمل تخريبي.
علينا دائماً كآباء أن نتذكّر أنّ الله قد استأمنّا على تربية أولادنا، فلا نغيظهم بل نربّيهم بحسب كلمة الله، ونبذل الجهود الحثيثة مع الصلوات الحارّة لكي يعطينا الله الحكمة التي نحتاج إليها كي نتعامل مع أبنائنا وبناتنا بالشكل الصحيح واللائق، لكي يروا فينا صورة الآب السماوي المحبّ، وهكذا عندما يكبرون يسلكون في طريق الصلاح والإيمان الذي يجلب المجد لله والبركة والخير للإنسانية.