قيل: "الإنسان عدوّ ما يجهل". والبعض يقول: "الإنسان صديق مَن يعرف". ولهذا علينا أن نعرف الآخر، وكيف لا وهو جزء مكوّن لتراثنا وحضارتنا. وكلّ واحد منّا يتعامل مع الآخرين في مجتمع وفق نظام معين ومجموعة من العلاقات والروابط الاجتماعية المختلفة، لهذا كله فمعرفة الآخر إذاً مطلب حضاري وثقافي وإنساني وأساسي لوجودنا وكينونتنا. معرفة الآخر يجب أن تكون مهمّة تماماً كمعرفة الذات، وعندما نهمل معرفة ذواتنا ومعرفة الآخر نُصاب بنوع من الضياع والفوضى.
ولكن ماذا نفعل تجاه الآخر في كثير من الأحيان؟ نحكم عليه حكماً قاسياً...نحرمه من عرض وجهة نظره، نحرمه من الحرية التي نمنحها لأنفسنا، متناسين أنّ الذي يأخذ بالسيف فبالسيف يؤخذ، وكما نسلب الآخر حريّته ستُسلب حريتنا أيضاً.
نحن كثيراً ما نتبنى موقفاً فكرياً دون أن نناقشه ونتعصب له بدون قبل الدخول بأي نقاش فيه بغض النظر عن الحقائق والأدلة، وهذه هي "دوغما" الفكر التي نلجأ إليها لنتباهى بأننا نملك الحقيقة المطلقة. لكن علينا أن نتعرف بحق كل إنسان في اعتناق أية فكرة، فمن الحق هذا الآخر أن يكون مختلفاً عنّك، وأنت من حقك أن تؤمن بأفكارك حتى وإن كانت مختلفة أو متناقضة...وكما يحق لك أن تدافع عن أفكارك ومواقفك الفكرية فللآخر هذا الحق عينه. اختلف مع الآخر كما شئت، ولكن عليك أن تدافع عن حريته في التعبير والوجود...
ثمّ، لماذا هذا الخوف من الآخر؟! لماذا الخوف من الانفتاح على ثقافات العالم؟! فطالما أنت ثابت على صخرة إيمانك فلا ينبغي لرأي الآخر أن يخيفك...إنّ رفض الآخر لهو دليل على ضعف في قناعاتك، أمّا القوة الحقيقية هي في تقبّل فكرة الاختلاف ومناقشة فكرة الآخر هو إغناء لأفكارك ومعتقداتك، وعليك أن تعمل لكي تتحرر من هذا الخوف، فمعرفة الآخر هو خطوة أعمق باتجاه جوهر الحقيقية، وهي ليست تنازلاً عن إيمانك.
ما أجمل أن نتعلم من خبرة الشاعر القائل:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي / إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
أدين بدين الحــــب أنّى توجّهت / ركائبه فالحــب ديني وإيمانـي
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة / فمرعى لغزلان ودير لرهبان