عقيدة الخلق

عالمنا مليء بالدلائل التي تؤكد على تصميمه الفريد. فجميع الأشياء، من الجمال الذي نراه في الأزهار الجميلة الألوان، وأنواع الطيور التي تـُحلـِّق في السماء وصولاً إلى التركيب العجيب للخلايا البشرية وترامي أطراف الكون بأسره، كلها تخبرنا بأن هناك فنان مُبدع قام بتصميمها. والدليل على روعة هذا التصميم يظهر أيضًا من خلال قدرتنا على تحسس الجمال ومُراقبة عجائب الخليقة والتأمل فيها. وحتمًا، سرعان ما سنجد أنفسنا أمام هذا التساؤل: كيف وُجـِدَ هذا التصميم؟ وما هو الشيء الذي يعنيه لوجودنا؟
 
 إنَّ هذا التساؤل قاد الكثيرين لأن يؤمنوا بوجود خالق تظهر قوته من خلال عظمة الكون والعدد الهائل للمجرات والنجوم، وتـُرى محبته العميقة من خلال تركيب الخلايا الحية والتفاعلات الدقيقة التي تجري داخل الجسم لضمان النمو والاستمرارية والحياة. من الطبيعي أن تقودنا هذه الملاحظات إلى الرَّغبة في التعرف أكثر على هذا الخالق ومعرفة المزيد عن صفاته.
 
 إن الدراسات التي أجريت عن الخليقة وطبيعة المخلوقات ساعدت على التمسُّك أكثر بحقيقة وجود إله يقف خلف الستار - هو الذي قام بخلق جميع الأشياء. ومن هذا المُنطلق، يظهر لنا بأن للعلماء فرصاً أكبر للتعرف على حقائق تثبت إبداع الله وقدرته على الخلق بدلاً من التعلـُّق بنظريات أو بالأحرى فرضيات تنسب الفضل في الخلق إلى محظ الصدفة أو التطور. ولكن مع هذا، تبقى حقيقة أن الخليقة لا تتحدث بوضوح إلى عقولنا! فهل ينطق الحجر، أو يتحدَّث البحر، أو تغني السماء، أو تتفوَّه الحيوانات؟ هل سبق وأن سَمِعْتَ إعصاراً يعتذر عمَّا خلـَّفه من أضرار ويُفسِّر السبب الذي دفعه للقدوم؟ أو هل قرأت عن ندم زلزال أو تراجع أمواج التسونامي رحمة بضحاياها؟ فإذا كان الله هو المُبدع والمصمم العظيم للكون، فماذا عن الشر والعنف والويلات الطبيعية والأمور السيئة الأخرى التي توجد أيضًا في هذه الخليقة؟ هل خلق الله هذه الأشياء وضمَّنها في تصميم الحياة على الأرض؟ وهل حكمته وعدله ومحبته تتضمَّن هذه الأمور؟
 
 إن الإجابة على هذه التساؤلات لا تظهر لنا من خلال دراسة الخليقة والتأمُّل فيها، بل تتجلـَّى بوضوح لكل الذين يقلبون كلمة الله ويقرأون الكتاب المقدس الذي يشهد عن الله سبحانه وتعالى ويوضح صفاته ويشرح طبيعة علاقته بنا وبعالمنا.
 
يُعلن لنا الكتاب المقدس عن قصة الخلق وعن الخالق العظيم الذي قام بتصميم العالم حسب قصده ومشيئته. ففي غضون ستة أيام، عمل الله على خلق مناخ ملائم للكائنات الحية ليتسنى لها العيش فيه، ثم ملأ هذا العالم بكثير من الكائنات. بعدها خلق الله البشر وأعطاهم الإذن بأن يتسلـَّطوا على خليقته ويسودوا عليها. وأعطاهم أيضاً بعض العطايا النفيسة كالمعرفة واللغة والعلاقات والمسؤوليات والحرية والهدف. وفي هذه كلها نجد تفسيراً لتصميم الله في الخليقة – فهو يعكس صفاته وأهدافه من الخلق.
 
 ولكن، نعود ونسأل: ماذا عن الشر الموجود والمستشري في عالمنا اليوم، والذي يقود الكثيرين إلى دحض الإيمان بفكرة الخليقة وعقيدة الخلق ووجود إله مُحب خلق الكون؟
 
إنَّ الكتاب المقدس يُعلن لنا أيضًا عن قصة بداية الشر، وكيف أن معصية كلام الله والعنف والموت شوَّهوا كمال الخليقة وبهائها. فالشر ليس من خلق الخالق، وهو ليس خليقة بل هو نتيجة تعدٍّ وعصيان لأوامر الخالق. ومن هنا نفهم بأن كل ما يخالق قوانين الخالق الكاملة هو أمر ناقص. والنقص وعدم الكمال يصبح شرَّاً.
 
اسمح لي أن أوضح لك هذا الأمر قليلاً: لنأخذ وصية الله التي تقول، لا تقتل. فإذا وضعنا فكرة الخلق والكمال والخير، نلاحظ بأن المُراد هنا من هذا القانون هو المحافظة على الحياة كما خلقها الله وعدم الإساءة إليها أو تشويهها. لكن، لنقل بأنني عصيت هذا الأمر من خلال ضربي لشخص وتسببي في إعاقته – كأن أقتلع عينه أو أقطع ساقه، فأنا بذلك اُشوِّه خليقة الله الكاملة للشخص الآخر. والتشويه هذا (أو النقص) حدث بسبب عصاني لأوامر الله وليس نتيجة لأمر الله. فأنا من قام بالفعل الخطأ وآذى إنساناً آخر! وبذلك أكون أنا جالبة للشر على خليقة الله لأنني عصيت أمره وخالفت سننه بالمحافظة على الخلق.
 
 إنَّ قصة بداية الشر تخبرنا بشيء آخر هام جداً عن الله الخالق وصفاته. فالله سبحانه وضع أهمية كبيرة جدًا لحرية الاختيار لأنه يرغب أن تكون علاقته بالبشر مبنية على هذا الأساس - فمُلكه ديموقراطي لا دكتورية فيه. ولهذا السبب نلاحظ بأنه لم يغلق الباب في وجه الشر وإبليس عندما تعدَّى سلطة الله، بل منحه حرية الاختيار في الطاعة والامتثال لأوامره المقدَّسة أو الحيدان والانحراف عنها.
 
نفس هذا الاختيار وُضِعَ أمام أبوينا الأولين، آدم وحواء، وهكذا أيضاً معي ومعك أنت أيضاً اليوم. فالله تعالى يضع أمامنا اختيارين: إما الموت أو الحياة. فإما أن تختار أن تؤمن بعقيدة الخلق ووجود خالق عظيم وراء كوننا الكبير، أو أن تختار التـَّعلـُّق بفرضيات علمية تفتقر إلى البراهين والأدلة الواضحة. وتذكـَّر عزيزي بأن اختيارك هذا إما سيؤدي بك إلى الحياة الأبدية أو الموت الأبدي. ففكـِّر وتأمل في تبعات قرارك قبل أن تتخذه.
 

نحبّ أن نسمع منك، فأسئلتك وتعليقاتك هي دائماً موضوع اهتمامنا!