غيّر عاداتك، تتغيَّر حياتك!
إنَّ العادة هي فِعل أو تصرُّف ألِفـَه الإنسان حتى صار يفعله أو يُمارسه دون وعي منه! ومِن المُتعارَف عليه هو أنَّ عاداتنا، سواء كانت جيدة أو سيِّئة، تؤثر على حياتنا. ومِن الضروري أن نـُشير هُنا إلى أن عاداتنا هذه إما أن تكون تحت سيطرتنا فنستفيد منها، أو أن تـُسيطِر هي علينا فنـُصبـِح عبيدًا لها. فالعادات إمَّا أن تؤدِّي إلى تحسين حياتنا وتنميتها، أو تقودنا إلى الدَّمار والهلاك. فلا تستهـِن بالعبارة القائلة: غيّر عاداتك، تتغيَّر حياتك!
هناك كما ذكرنا عادات جيدة وأخرى سيئة... الجيدة منها تعود علينا بمردود إيجابي، كالاستيقاظ المبكر والصلاة اليومية والقراءة المفيدة والبحث والدراسة وممارسة التمارين الرياضية والهوايات الجيدة وحتى تناول الطعام الصحي. أما العادات السيئة فقد تكون غير مُستـَحبَّة أو ضارَّة أو مُدمِّرة في بعض الأحيان، كاستخدام ألفاظ بذيئة، النميمة، التفكير السلبي، البصاق على الأرض، قضم الأظافر، التدخين، تناول المُسْكِرات أو المخدرات، الإفراط في تناول الطعام، أو حتى الكسل الجسدي والروحي. وتـُشير الأبحاث العلمية إلى أننا عادةً ما نتبنـَّى أو نـُمارس عادات سيئة أو ضارَّة في أوقات القلق والإجهاد الشديد وعند تـَدنـِّي احترامنا لذواتنا، فكل هذا يقودُنا إلى دائرة مُفرغة مِن الشعور بالإحباط والفشل، فنستسلم لعادات خاطئة.
فإذا كـُنتَ تـُعاني مِن عادة سيئة وترغب في التـَّخلـُّص منها، اجتـَهِد واسعَ في عمل ذلك وحاربها، إذ يمكنك أن تضع حَدّاً لعاداتك السيئة وتتوقـَّف كلياً عن ممارستها خلال بضعة أسابيع. إليك عزيزي خمس طرق لدعمك في مسيرتك للتخلص من العادات غير المرغوب بها والضـَّارَّة...
1. تعرّف على عاداتك الضارَّة وتجنـَّبها. إن العائق الرئيسي الذي يحول دون تغلـُّبك على العادات الضارة هو عدم قدرتك على التـَّعرُّف عليها أو بالأحرى الاعتراف بها. لن تستطيع التخلص مِن عادةٍ ما إذا لم تعتـَرف بوجودها. لذلك، قم بتخصيص قائمة لتسجيل كل العادات التي ترغب في التـَّخلـُّص منها، ثم اختر واحدة فقط مِن هذه العادات التي تودُّ البدء بمحاربتها وخصِّص قائمة جديدة تحمل اسم هذه العادة (مثلاً، قضم الأظافر).
§ فكـِّر في كل الأسباب التي تدفعك لممارسة هذه العادة (ضغط نفسي، مواجهة مواقف جديدة وغير متوقـَّعة، ملل، تكاسل من البحث على مقص الأظافر وغيرها مِن أسباب).
§ اسأل نفسك: "ما هي الفوائد التي تحققها لي ممارسة هذه العادة؟" (شعور بالأمان، قص الأظافر بدون مقص، إلخ).
§ اسأل نفسك: "ما هي المضار أو السلبيات التي أُعاني منها نتيجة ممارستي لهذه العادة؟ ومَن يتضرَّر أيضاً مِن عادتي هذه؟" (ألم أسنان، إحراج مَن يُرافقني، نظرة الناس لي، إلخ)
§ واجه نفسك بصراحة: "هل أنا بحاجة لهذه العادة؟ هل تزعج وتـُكدِّر أو تضر الآخرين مِن حولي؟ كيف تؤثـِّر على صحتي ومالي وكياني وراحتي وسلامي... سلباً أم إيجاباً؟ هل سأصبح إنسانًا أفضل لو تخلـَّيت عنها؟" اكتب إجاباتك بوضوح.
§ فور انتهائِك مِن إعداد قائمتك هذه، حلـِّل وادرس المعلومات التي دوَّنتها وحكـِّم فكرك ومنطقك وفقاً لإيجابيات وسلبيات العادة التي تمارسها، ثم اتـَّخذ قرارك بـِحِكمة وشجاعة وواجه حقيقة تأثير هذه العادة عليك وعلى غيرك، ثم قرِّر التـَّخلـُّص منها.
2- استبدل العادة الضارة بعادة جيدة. قد تبدو هذه الخطوة هروباً مِن مواجهة العادات السيئة، إلا أنها مِن أفضل الطرق للتغلب على العادات السيئة واتخاذ عادات جيدة عوضاً عنها. إذا كـُنتَ مُدخِّناً بإمكانك إيجاد العديد مِن الوسائل المتاحة في الصيدليات والمراكز الصحية للإقلاع عن التدخين، إلا أنَّ ممارسة الرِّياضة وتطوير هذه العادة الجيدة في حياتك اليومية سيـُعوِّض عن النـَّقص الذي ستشعر به عند توقـُّفك عن عادة التدخين وسيُحارب رغبتك في التـَّدخين. إذا كـُنتَ مِن الذين يُطقطقون أصابعهم، احمل معك كرة مطاطية صغيرة لتضغط عليها كلما شعرت بالرغبة في طقطقة أصابعك. وإذا كنت مِن الذين يقضمون أظافرهم، احمل معك مقص الأظفر أينما ذهبت وذكـِّر نفسك باستخدامه كلما شعرت برغبة لقضم أظافرك. إذا كنت متشائماً بطبعك وتفكـِّر بأفكار سلبية، راقب أفكارك دائماً وحاول أن تستبدل أفكارك السلبية بأفكار إيجابية.
إنَّ تنمية موهبة جديدة كـ عزف الموسيقى، تأليف الكتب وكتابة المقالات، الرسم، التمثيل، الانخراط في نشاطات اجتماعية لمساعدة الآخرين، وممارسة الرِّياضة يُمكن أن تـُصبـِح هي العادة الجديدة والجيدة التي ستـُحسِّن حياتك وتساعدك في التـَّغلـُّب على العادات السيئة. هذا الأمر يتطلـَّب وقتًا والتزمًا مستمرين لتحقيق الأهداف المنشودة. وقد تجد أنَّ اللجوء إلى البدائل هو أمر صعب ولا يأتي بطريقة تلقائية، إلا أنَّ وعيك ومعرفتك بالفوائد التي ستجنيها نتيجة استبدالك للعادات السيئة سيحفـِّزك أكثر للاستمرار والمُثابرة وسيُصبـِح الأمر أكثر سهولة وجزءًا جديدًا ومُفرحاً ونافعاً لحياتك.
3- راقب عاداتك. إن مراقبتك لعاداتك هو أمر ضروري لإبقائك على الطريق السليم، لئلا ترجع مرة أخرى إلى طرقك القديمة وعاداتك السيئة. فافحص نفسك باستمرار. حاول أن ترى نفسك كما يراك الآخرون - لا سيَّما عندما تـُمارس العادة السيئة التي قرّرت التـَّخلـِّي عنها. زد نسبة وعيك بها من خلال تمثيلك كيفية ممارستك لها أمام مرآة. لك مُطلـَق الحرَّية لأن تـُبالغ في تمثيلك لتـُدرِك مقدار سخافتها وتأثيرها السلبي عليك.
سمعتُ مِن زميل لي قصة واقعية عن صديقه الذي كان صاحب مركز مرموق ومسؤول عن أكثر من 100 شخص. كان هذا الإنسان مُدخـِّناً وكان يضع السجائر في جيب بنطاله. في أحد الأيام وبينما كان يقود سيارته في منطقة نائية، شعر برغبة في التـّدخين، فبحث عن سيجارة في جيبه إلا أنه لم يعثر على أي واحدة! ألحَّت عليه عادة التدخين إلى درجة أنه فقد السيطرة على تفكيره ووعيه وخلع بنطاله ليتمكـَّن مِن الحصول على التبغ المتبقي في الجيب! بعد أن لبـَّى رغبة عادة التـّدخين وإدمان التبغ، لاحظ بأنه لا يرتدي البنطال...! اشمأز من موقفه هذا ومنظره وشعر بخجل شديد وقرَّر لحظتها التـَّوقـُّف عن عادة التدخين... ونجح بالفعل.
إذا كـُنتَ لا تـُمانع إشراك الآخرين في تحدِّياتك، أعلـِم زملاءك في العمل وأفراد عائلتك بأنك تحاول التخلص من عادتك المُزعجة. وأطلب منهم أن يُذكـِّروك بذلك عندما يرونك تُمارس تلك العادة. يمكن لأبنائك أن يكونوا مراقبين ممتازين للعاداتك السيئة - لا سيَّما إذا قدّمت لهم مكافأة صغيرة في كل مرة "يلقون القبض عليك" وأنت تـُمارس تلك العادة.
4- احصل على المشورة الصالحة. في الحالات المستعسرة، احصل على نصيحة ومساعدة آخرين استطاعوا أن يتغلـَّبوا على نفس العادة التي ترغب أنت في التخلـُّص منها. لكن هناك بعض العادات الضارَّة التي تتطلـَّب مُساعدة مِهَنيَّة ومُتخصِّصة، فلا تتردَّد بالحصول على المشورة من قِبَل أخصائيين.
إلا أنك ستندهش مِن كمية العادات التي يمكنك التـَّغلـُّب عليها بنفسك إذا التزمت بخطوات هذه المقالة. ولكن، تذكـَّر عزيزي بأنَّ طلب مشورة الله أولاً هي فوق كل المشورات التي ستسعى للحصول عليها، تأكد مِن أن تفعل ذلك وثِق بأن الله سبحانه يستطيع أن يمنحك القوَّة اللازمة لكسر قيد أية عادة سيئة مُتسلـِّطة عليك.
يقول الكتاب المقدس بهذا الخصوص: "غير المُستـَطاع عند الناس مُستطاع عند الله" (إنجيل لوقا 18: 27) وأنَّ "الله لم يُعطِنا روح الفشل بل روح القـُوَّة والمَحبَّة والنـُّصح" (الرسالة الثانية إلى تيموثاوس 1: 7). فاطلب مِن الله في صلاتك ودعواتك ومُناجاتك أن يرشدك ويقويك ويعطيك روح النـُّصرة والغلبة على عاداتك السيئة. ملـِّكه حياتك وما فيها واطلب منه العون والإرشاد والمشورة فإنـَّه نِعمَ المُشير والهادي.
5- ابدأ اليوم ولا تـُؤَجِّل...! لا تـُؤَجِّل قرارك بالتـَّخلـِّي عن عاداتك السيئة، فالتأجيل هو بمثابة الماء لأشواك المصاعب والعراقيل التي ستنمو في طريق نجاحك...! التأجيل كلمة رقيقة، بسيطة، غير مزعجة، إلا أنَّ تأثيرها الفعلي يُعيق نجاحات وإنجازات كثيرة وقد يُدمِّر حياة ملايين ممَّن يُعانون من عادات ضارَّة ومُدمِّرة. حكيم مَن قال: "لا تـُؤجِّل عمل اليوم إلى الغد"... فاغتنم الفرصة الآن وواجه عادتك السيئة ولا تـُؤجِّل التـَّخلـُّص منها!
تذكـَّر عزيزي بأنَّ كل العادات التي تمارسها في حياتك لم تتشكـَّل بين ليلة وضحاها، فلا تتوقـَّع التـَّخلـُّص منها بين ليلةٍ وضحاها! فسِرُّ التـَّخلـَّص من العادات السيئة يكمن في التـَّحلـِّي بالالتزام والإصرار والصبر والعزيمة وضبط النفس، لكن هذا يستحق الجهد المبذول ويعمل على تطوير وبناء شخصيتك. فواظب على المحاولة ولا تفشل إلى أن تحقق النجاح وتتغلـَّب على ما يأسر إرادتك.
§ كن إيجابياً. شجّع نفسك ببعض الكلمات الإيجابية وحتى بعض المُكافآت في كل مرحلة تشعر فيها بأنك اقتربت أكثر من تحقيق الانتصار على عادتك السيئة.
§ كن متزنًا وواقعيًا. لا تضغط كثيرًا على نفسك وتتوقـَّع الكثير خلال فترة قصيرة، إذ قد يقودك هذا إلى الشعور بالكآبة والفشل.
§ ابتعد عن الضغوط والأسباب التي قد تدفعك إلى ممارسة عادتك السيئة.
§ اجعل الرياضة جزءاً لا يتجزَّأ من حياتك اليومية، فتمارين الاسترخاء والتنفس العميق والمشي وغيرها من نشاطات تقلل من تأثير الضغوط وتـُزيل التـَّوتـُّر والعصبية وتـُساهم في إفراز هرمونات جيدة تـُحسِّن المزاج وتدعم السعادة والانتعاش.
علـِّم نفسك ودرِّبها على ممارسة عادات جيدة لتتحدى بها العادات السيئة، وتأكـَّد من أنك ستختبر فرقاً كبيراً في حياتك، وسيشهد مَن حولك هذا التغيير.
إذا سيطرت على عاداتك السيئة، ستـُسيطر على حياتك...
وإذا سيطرت على حياتك، ستـُسيطر على مستقبلك...