دع كلمة الله تشكلك

إذا كُنت راغباً في معرفة الحق، ينبغي ألا تخاف من استكشاف ما تقوله كلمة الله لك. على كل باحث عن الحق أن يتخلـَّى عن كافة الآراء والأفكار والفلسفات والمفاهيم الشخصية المُسبقة، وأن يفتح ذهنه لسماع صوت الله من خلال كلمته. فالآراء التي نحتفظ بها في أذهاننا وما يُصاحبها من عادات وتقاليد متـَّسمة بالتـَّزمُّت والتـَّعصب والتعقيد يجب أن تخضع بل تزول من أمام ما تعلنه لنا كلمة الله.
 
إذا كانت كلمة الله أو ما تـُعلـِّم به الآيات في الكتاب المقدس تتعارض مع وجهة نظرك، فلا تـُحاول تفسير أو تأويل الآيات المُقدَّسة بما يتناسب مع أفكارك أو التفاسير التي اعتدت عليها أو تعلـَّمتها - كما يفعل كثيرون، فهذا لن يُغيِّر كلمة الله ولا تعاليمه ووصاياه، بل سيتسبَّب في انحرافنا عن طريق الحياة، إذ أننا بذلك نـُحرِّف الأسفار المقدسة عن معناها الأصلي لكي ما تتماشى وتتناسب مع أفكارنا الشخصية التي غالباً ما تكون بمعزل عن إرشاد الكلمة الموحى بها مِن قِبَل الله.
 
إذا كنت بالفعل ممن يبحثون عن الحق، فسؤالك الذي سيدفعك لقراءة كلمة الله والاستزادة منها هو: ما هو الحق؟ ماذا هو الحق الذي يعطيه الكتاب المقدس حول هذا الموضوع؟ لكن، مع الأسف، أغلب الباحثين الذين يسعون للبحث عن الحق (الذي يؤمنون به) هم مدفوعون بالسؤال الذي يقول: أين يمكنني أن أعثر على آيات تدعم الحق الذي أؤمن أنا به؟ وهذا طبعاً خطأ، إذ أن هذا الفكر لا يسمح لكلمة الله أن تصل إليك لأنك تحددها بمفاهيمك وما اعتدت عليه.
 
عزيزي، لا تـُفسِّر كلمة الله في ضوء ما تؤمن أنت به مسبقًا أو نتيجة تعصُّبك وتزمُّتك، خاصة فيما يتعلق ببعض العقائد التي تمَّ وضعها مِن قِبَل أناس مثلي ومثلك، ذوي فكر محدود وقدرات بشرية ضعيفة وفانية. اطلب من الله أن يمنحك القدرة لتستطيع أن تلجم أفكارك وتسمح لكلمته أن تشكـِّلها، وليكن سؤالك هو: ما هو الحق الذي يوضحه الكتاب المقدس بخصوص الموضوع الفلاني؟ اسمح لله أن يتحدَّث إليك من خلال كلمة الوحي، وافتح قلبك وذهنك لتحصل على المعرفة وتتعرَّف على الحق.
 
 اتبع كلمة الله لا تقليد الناس
 
هناك الكثيرون ممن يتبعون تقاليد ووصايا هي مِن وَضْع الناس. ولكن هل يحق لنا أن نضع وصايا الناس بمنزلة الوصايا المذكور في كلمة الله؟
نحن نؤمن بأن البشر، مهما حاولوا تجنـُّب الخطيئة واتباع طرق البر، يبقون ذوي طبيعة فاسدة وأفكار خاطئة تنأى عن قداسة وبر الله العليّ القدوس. فهل ستختار تعاليم الناس الناقصة أم تعاليم الله المُقدَّسة والكاملة؟
 
مع الأسف، أحياناً نتمسَّك بتقاليد وتعاليم الناس بكل قوة، بينما نهمل شهادة الكتاب المقدس وكأنها بدون جدوى أو أنها كُتِبت لوقت محدد أولأشخاص معيَّنين. أحياناً وللأسف نستخدم كلمات الكتاب المقدس بطريقة تتناسب مع مواقفنا الخاطئة لنـُظهـِر أن ما نعمله أو نتصرفه هو الحق! فهل هذا هو التصرف الصحيح والمقبول؟ وهل هذا ما يجب أن يفعله الباحث الحقيقي عن الحق؟
 
إن الشيء الأول الذي ينبغي على كل مَن يريد أن يعرف الحق أن يفعله هو إفراغ الذهن والقلب من أية أفكار أو مفاهيم أو معتقدات مُسبقة، ثم فتح الكتاب المقدس والبحث فيه بكل إخلاص وتواضع وصدق عن ذلك الموضوع بالتحديد، وفهم كل الآيات المتعلقة بالموضوع بطريقة تنسجم وتتناسب مع ما ذكر في كلمة الله، ومُثبّـِتين إيماننا فقط على ما هو "مكتوب" في كلمة الله، حتى يكون موقفنا مثل موقف سيدنا ومعلـِّمنا يسوع المسيح الذي عرف كلمة الله وأجاب منها على كل ما سؤِل عنه وجعلها مرجعه الوحيد ومحجَّه في الإيمان والأعمال والتعليم.
 
عليك أن تراجع نفسك وأن تـُغيِّر كل فلسفاتك ونظرياتك السابقة التي لا تتفق مع عقائد وتعاليم الكتاب المقدس. فأنت مدعو بل مُطالـَب للكد وبذل الجهد لاكتشاف الحق في كلمة الله. قد يبدو هذا الأمر صعب المنال أو التحقيق، لكن من غير المُتوقـَّع أن نجد الكنز السماوي ما لم نكن مُستعدين للبحث عنه مُستخدمين كل قوى عقلنا ورغبات قلبنا بالإضافة إلى صدق صلواتنا للحصول على الحكمة السماوية والفهم الصحيح والبصيرة المنيرة لإدراك معاني كلمة الله وتعاليمه ووصاياه.
 
 كيف تقرأ كلمة الله؟
 
احترز لنفسك لئلا تقرأ كلمة الله المقدسة في ضوء مفاهيم مُسبقة أو تعاليم بشرية لا يصل مداها إلى أبعد من حدود هذه الأرض الزائلة. فبهذه الطريقة عينها اقترف اليهود خطأ فادحاً، إذ أعلنوا أنه لا يجب أن يكون هناك تفسيرًا مختلفًا للأسفار المقدسة غير الذي وضعه معلـِّموهم وحاخاماتهم على مدار السنين والعقود. وإذ ضاعفوا التقاليد البشرية وفسرَّوا العقائد حسبما فهموا ثم ألبسوها ثياب القداسة وطالبوا بإطاعتها وتطبيقها تماماً كما تـُطبَّق كلمة الله، انعدم تأثير تعاليم الله السماوية على حياتهم وساروا حسب التقاليد والعقائد البشرية. ولو لم يأتِ السيد المسيح إلى العالم ليعيد الناس لحفظ الناموس والشريعة كما أوحى بها الله، لخَسِرَ البشر كل المعرفة عن الإله الحقيقي. فقد كان المسيح بالفعل هو نور العالم.
 
لقد أخبر المسيح قادة اليهود أنه بسبب تقاليدهم أبطلوا وصايا الله. ثم أدانهم قائلاً: "يا مُراؤون حسناً تنبأ عنكم النبي إشعياء قائلاً: يقترب إليَّ هذا الشعب بفهمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً. وباطلاً يعبدونني وهم يُعلـِّمون تعاليم هي وصايا الناس" (إنجيل متى 15: 8-9). فقد وضعوا متطلبات وقوانين الناس فوق متطلبات ووصايا الله، وقد حّملهم المسيح المسؤولية لعدم إكتراثهم بكلام الله وتعاليمه الأصلية.
 
إن خطة الشيطان هي تشويه تعاليم ومباديء الكتاب المقدس وقيادة البشرية نحو عدم تصديقه والاعتماد عليه كالمصدر الوحيد للإيمان. لقد مرَّ العالم بعصور مظلمة ازداد فيها الاهتمام بالمناصب والسيطرة والنفوذ، حتى أن بعض رجال الدين قاموا بتحريم قراءة الكتاب المقدس على العامة، بل جعلوا التعاليم مقتصرة على تفاسير الكهنة والآباء.
 
إن كل العقائد والأسس الإيمانية التي لا تنطبق مع التعاليم الصريحة لكلمة الله يجب أن تـُرفض رفضًا تامًا. وإذا كان الكتاب المقدس يدعم العقائد التي كنا نتبناها في الماضي، فلنا الحق أن نحتفظ بهذه العقائد ونستبقيها، ذلك لأن كلمة الله فقط تمنحنا أساس الإيمان.
 
 كثيراً ما نسمع فلان قدِّيس وفلان قدِّيس. فمن هم القدِّيسون؟ إن القدّيسين هم أولئك الذين لديهم فكر المسيح، والذين يتـَّسمون بمخافة الله وإطاعة كلامه بمُجرَّد أن يتم مواجتهم بما كـُتِبَ في كلمته المقدسة. كما أنهم أؤلئك الذين سيُظهرون رغبة قوية في التـَّعرُّف على الحق واتباعه حتى لو كانوا من عقيدة مختلفة.
 
إن الشعور بالفرح والتهلل ليسا دليلاً على القداسة، فالكثير من أولئك الأشخاص المفعمون بالمشاعر والإنفعالات يجهلون الكتاب المقدس وليست فيهم قوّة الله وروحه. فهم يظنون خطئًا أنهم يسيرون وفق إرادة الله لأنهم يشعرون بالسعادة، لكن عندما يُواجَهون بما تـُعلـِّم به كلمة الله، يسدّون آذانهم عن سماع الحق ولا يأخذون وقتاً لدراسة الأمور وتحليلها!
 
لنتفحَّص كلمة الله بالصبر والصلاة، بنفس ممتلئة بالتواضع والخشوع، ولنتذكر صلاة المسيح الذي قال: "قَدِّسْهُمْ فِي حَقـِّكَ. كلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ." (إنجيل يوحنا 17: 17). ومن هنا نلاحظ بأن كلام الله، كلمته المقدسة، كلمة الله هي الحق. وطاعتنا لكلام الله تجعلنا مُقدَّسين. لذلك يجب أن تكون كلمة الله هي مرشدنا ودليلنا؛ وليست تقاليد الناس وتعاليمهم.
 
عندما نؤمن ونصدِّق كلام الله، نحصل على الإيمان به ونبرهن على ثقتنا وطاعتنا له من خلال حفظنا لوصاياه. كما أننا نـُظهـِر محبتنا له عندما نحب ونحفظ شريعته وتعاليمه. لكن تصديقنا لتعاليم وتقاليد الناس سيبعدنا عن طريق القداسة. وإذا علـَّم أحد رجال الدين شيئاً يخالف تعليِم كلمة الله، فهذا لن يقلل فقط من التزامنا نحو كلمة الله، بل سؤدي بنا إلى مواجهة دينونة رهيبة في يوم الدين.
 
إن النور الذي يصل إلينا اليوم هو أكثر من النور الذي وصل لآبائنا وأجدادنا في أجيالهم السابقة. وإذا أردنا أن نكون مقبولين أمام الله، ينبغي علينا أن نكون أمناء في اتباعنا النور والسير فيه كما كانوا هم أيضًا أمناء في تلقـّي واتباع النور المُرسل إليهم من الله آنذاك. ينبغي علينا التمسُّك بتعاليم كلمة الله وأن نقبل النور المُعطى لنا من خلال هذا الوحي السماوي، وسوف يجازينا الله خيراً إذ نتبع إرشاده لنا في هذه الأيام، وسنسمح حينها لكلمة الله أن تـُشكـِّل حياتنا. 
 

نحبّ أن نسمع منك، فأسئلتك وتعليقاتك هي دائماً موضوع اهتمامنا!