التلفزيون والسينما

التلفزيون والسينما

 لقد سَمِعَ عادل عن هذا الفيلم منذ أسابيع طويلة. فـَكـُل أصدقائه يتحدَّثون عنه وذهبوا إلى السينما ليشاهدوه. راقب عادل، بكل شغف، الإعلانات التي تـُبث على شاشة التلفزيون عن هذا الفيلم، فهذا هو نوع الأفلام الذي يُفضِّله. بدأ الصراع يدور داخله، فهو لا يريد أن ينتظر حتى ينزل الفيلم على أشرطة الفيديو أو الـ DVD لكي يشاهده في البيت، لأن المؤثرات الصوتية والشاشة الكبيرة في السينما يُعطيان الفيلم إثارة وتشويقاً كبيرين. فهل يذهب عادل إلى السينما هذه المرَّة فقط؟ إنه لا يذهب إلى السينما كثيراً...!
 
 ما المشكلة في هذه القصة. المشكلة تكمُن في أن عادل يتصارع مع نفسه على المكان الذي يريد فيه أن يُشاهد الفيلم، وليس إذا كان الفيلم في حدّ ذاته صالحاً لأن يشاهده شخص مؤمن. هذه هي المشكلة. فالبرغم من أنه يتجنَّب الذهاب إلى السينما، إلا أننا نرى هذه الأيام بعض الشباب الذين لا يترددون لحظة واحدة قبل الذهاب لمشاهدة كل أنواع الأفلام في دور السينما.
 
 قد نفكر ملياً في المكان الذي نـُشاهد فيه الفيلم بدلاً مِن أن نفكر في فحص مُحتواه وقصته أو مجرَّد أن نتساءل فيما إذا كان مُناسباً لأن يُشاهده شخص مؤمن. إننا نشعر بالذنب عندما نذهب إلى السينما لنُشاهد فيلماً مُعيَّنا، لكنَّنا لا نشعر بتقريع الضمير إذا شاهدنا نفس الفيلم في البيت بالرغم من نوعيَّته الرديئة وقصته غير الأخلاقية. وبذلك يتمكــَّن الشيطان، بذكائه وحيلته، مِن السيطرة على أفكارنا كلياً من خلال: المشاهد التي نراها، الحوار الذي نسمعه، والأفكار التي نستوعبها من الفيلم. إذاً، المكان الذي نشاهد فيه الفيلم هو أمر هامشي لا يهم.
 
 على مدى سنين طويلة، بقي موقف كنيسة الأدفنتست السبتيين تجاه دور السينما واضحاً ومحدداً "لا للسينما". وكان المنطق خلف هذا الرفض يكمن في نوعية الأصدقاء الذين نذهب معهم، نوعية البيئة التي نجلس فيها، لا بل إن بعضهم ذهب إلى حد القول أن الملائكة تتركنا عند مدخل السينما لندخل نحن بمفردنا. لكن التكنولوجيا والتغيرات الاجتماعية دَحَضَت تلك الافتراضات. فاليوم يُمنَع التدخين منعاً باتاً في دور السينما، وتكون جميعُها مُكيَّفة الهواء، كما ويُمنع الكلام والثرثرة أثناء العرض. فكيف يتعامل المؤمنون مع كل تلك المُتغيِّرات؟
 
كتب النبي داود في سفر المزامير الإصحاح 1 والآية الأولى هذه الكلمات: "طوبى (هنيئاً) للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخطاة لم يقف وفي مجلس المستهئزين لم يجلس".
 
ماذا عن التلفزيون والفيديو والـ DVD؟  معظمنا يمتلك تلك الأجهزة في البيت. إن محتوى ما نشاهده على شاشة التلفزيون لا يختلف كثيراً عما نشاهده على الشاشة الكبيرة (السينما). بل في الحقيقة، مع وفرة الأقمار الصناعية والصحون على أسطُح مُعظم المنازل، نستطيع اليوم أن نُشاهد ما هو أسوأ وأكثر ضرراً ممَّا نُشاهده في السينما أو من خلال برامج التلفزيون العادية.  
 
كمؤمنين، من المهم لنا أن نعرف المبادئ التي يريدنا الله أن نتبنَّاها. قد لا يتحدَّث الكتاب المقدس ضد التلفزيون أو الفيديو أو الـ DVD أو السينما، لكنه يوصينا بأمور مُهمَّة يجب أن نجعلها جُزءً مِن حياتنا. فقدَّمَ الرسول بولس إرشادات واضحة في رسالته إلى أهل فيلبي الإصحاح 4 والآية 8 إذ قال: "أخيراً أيُّها الإخوة، كُل ما هو حق، كل ما هو جليل، كل ما هو عادل، كل ما هو طاهر، كل ما هو مُسِر، كل ما هو صيتـُه حسن إن كانت فضيلة وإن كان مدح ففي هذه افتكروا".  إنَّ المكان الذي نشاهد فيه شيئاً هو أقل أهمية مِن مُحتوى الشيء الذي نشاهده. كما أن إرشادات الرسول بولس واضحة جداً، إذ يجب أن نُركــِّز على ما هو طاهر وحق. فإذا رَفـَضنا الذهاب إلى السينما لكننا جلبنا إلى البيت فيلماً غير أخلاقي أو يحتوي على مشاهد عنف كثيرة، أو له علاقة بالسحر والشعوذة وما إلى ذلك، فنحن بذلك نقترف خطأ كبيراً. إذ علينا كمؤمنين أن نفحص وندرس كل شيء نريد أن نُشاهده أو حتى نسمعه.  
 
 
ما هي القيم والدروس التي نتـعلــَّمها إذا شاهدنا فيلماً مُعيَّناً؟ فإذا شاهدنا فيلماً أو مسرحية يملأها الكذب، الغش، العنف، الخلاعة أو الإباحية، كيف سنُركـِّز على ما هو حق وطاهر؟ وكيف سنتمكن حينها من رفع الشكر والتسبيح لله؟ لذلك علينا أن نسأل أنفسنا: "ما هي الرسالة التي يُريد الفيلم إيصالها لنا؟"  مُعظم الأفلام التي تـُنتـَج لديها رسالة واضحة. وقد تختلف الرسالة من فيلم لآخر.
 
 كل مشهد يحمل رسالة، كل حوار يحمل رسالة، حتى التعبيرات التي ترتسم على وجوه المُمثــّلين، الأزياء التي يرتدونها، نمط حياتهم المُصوَّر في الفيلم، وحتى ما لا ينطقون به، كل ذلك يحمل رسالة لنا. ولهذا يتوجب عليك أن تسأل نفسك: "ما هي رسالة الفيلم أو البرنامج الذي أُريد مشاهدته؟ هل يتماشى الفيلم مع مبادئي وإيماني؟ هل يُصوِّر قِيَماً دينية صحيحة؟ هل يهدف الفيلم إلى أن يُقوّيني ويُشجِّعني على القيام بأعمال حسنة، أم أنَّ كُل أحداث الفيلم غير واقعية وغير بنـَّاءة؟" يجب أن يكون مُحتوى الرِّسالة بنــَّاءً لكَ كفرد مُؤمن وللمُجتـَمع الذي تعيش فيه. وفي النهاية يجب أن يُقرِّبك الفيلم أو البرنامج الذي تشاهده إلى الله. حتى الأفلام "الجيدة" تتطلــَّبُ حَذراً مِن جهتنا، لأننا لا نُدرك دائماً ما الذي يلتقطه العقل دون وَعيٍّ مِنَّا. فلا تسمح لأفكار غريبة أن تسيطر على عقلك دون وعي منك.  
 
إذ نعود إلى إرشادات الرسول بولس بمشاهدة كل ما هو طاهر وحسن، نكتشف أنَّ بعض الأفلام تـُصوِّر مشاهد جنسية عن شخصين غير مُتزوِّجين يندمجان في نشاطات جنسية مُحرَّمة. ومِن خِلال مُشاهدتنا لتلك المناظر الإباحيَّة، نكون قد اشتركنا في أفعال أقل ما يُقال عنها أنها محرّمة دينياً. كما أن مُشاهدة تلك المناظر والأفلام ستؤثــِّر حتماً على نفوسنا، تصرفاتنا، وعلاقاتنا مع أفراد عائلتنا والآخرين.  إن كل مُؤمن مسؤول عن تصرُّفاته وأفعاله لأنها ستؤثر على الآخرين مِن حوله. فإذا كُنتَ تتحدَّثُ مع صديقك عن الله، تذكــَّر أنَّ ما تشاهده إما قد يُقوّي شهادتك أو يُضعفها.  هنالك عِدَّة أساليب تـُساعدك على اختيار البرامج الصالحة بحكمة:
لا تصم أذنيك عن سماع صوت الله. فقد يحثــُّكَ الله على إعادة تقييم عاداتك الخاصة بمشاهدة التلفزيون. تـُذكرِّنا الآية الموجودة في الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي الأصحاح 5 والعدد 19 بأمر مُهـِم، إذ تقول: "لا تـُطفِئوا الروح (روح الله)". يجب أن نكون واعين لحضور روح الله، فهو دائماً يرجونا أن نُغيِّر أنماط حياتنا. فلا تصم أذنيك عن سماع صوته.
 
تابع واقرأ آراء النـُّـقــَّاد عن الفيلم أو البرنامج الذي تـُريد مُشاهدته. اقض بعض الوقت في معرفة الرأي السائد عنه. وتأكــَّد مِن عدم تبنّي رأي مُخالف عن الأغلبية لِمُجرَّد أنك ترغب في مُشاهدة هذا الفيلم بشدَّة.
 
مِن المُمكن الآن البحث عبر شبكة الإنترنت مِن أجل تقييم الفيلم الذي تريد مشاهدته. هذا اسلوب حديث لكنَّهُ فعَّال. فإذا توفرت لك هذه الفرصة، اقتنصها.
 
 
راجع نفسك
1.اقض بعض الدقائق الآن لتقطع عهداً على نفسك بأن كل ما ستشاهده من الآن فصاعِداً ينبغي أن يتماشى مع إرادة الله.
 
2.ضع مِعياراً لنفسك. إن البرامج والأفلام المقبولة لديك يجب أن تـُمجِّد الله أولاً وأن تجعلك إنساناً أفضل.
 
3.استعد لمواجهة ضغوط الأصدقاء، لأنهم إذا لم يتــَّخذوا نفس القرارات ولم يضعوا لأنفهم نفس المعايير التي وضعتها أنت، فهم على الأرجح لن يتفهَّموا وضعك. فكـُن صبوراً واشرح لهم، مهما طال الشرح، سبب اتخاذك لهذا القرار.
 
4.حاول أن تجد لنفسك شيئاً آخر، نافعاً ومُسلــِّياً، ليملأ الساعات التي اعتدت أن تقضيها في المُشاهدة. فمثلاً: اقرأ كتاباً بمفردك أو مع أفراد عائلتك. أو مارس الرياضة، أو اذهب في نزهة أو لزيارة شخص، أو تبرَّع للمشاركة بعمل خيري لخدمة الآخرين والمجتمع.
 
5.اكتشف هواية جديدة أو مارس بعض هواياتك المُعتادة.أتعهَّد بأنني ابتداءً من اليوم:
 
سأشاهد الأفلام والبرامج التي تمجد الله والتي هي وفق إرادته ومرضاته.
سأشاهد الأفلام والبرامج التي ستجعل مني إنساناً أفضل.
سأتحمل وسأصبر على ضغوط الأصدقاء.
سأملاً أوقات الفراغ والساعات التي اعتدت فيها مشاهدة الأفلام بعمل أشياء مفيدة أخرى.
سأكتشف بعض الهوايات الجديدة وأوسع مجال هواياتي القديمة.
 
 
إن الحياة ليست مُجرّد مُشاهدة. تذكـَّر بأن الله وعَدَكَ بـِعَدم التــَّخلي عنك، إذ ترك لنا وعده القائل: "لا أهملك ولا أتركك" (يشوع 1: 5). قد لا تتركك الملائكة عند مَدخَل السينما، لكنهم، وبكل تأكيد، يُفضِّلون الذهاب معك إلى مكان آخر كلياً. ألا تـُفضِّل ذلك أنتَ أيضاً؟
 

نحبّ أن نسمع منك، فأسئلتك وتعليقاتك هي دائماً موضوع اهتمامنا!