حقائق قد لا نعرفها عن الشتائم
قد تتردد الشتائم والألفاظ البذيئة بين الناس بشكل يومي تعبيراً عن السخط والغضب دون أن يدرك البعض خلفيّتها الحقيقية، والبعض يتلفّظون بالشتائم دون أن يدركوا معناها أو أنها كعادة تربّوا عليها فتعوّد اللسان على أن يلفظها بطريقة تلقائية. فمثلاً عبارة "أنت عبيط" الكثير يعتبرها شتيمة "هزار" مع الآخرين، فتتردّد هذه العبارة بين الأصدقاء وهم لا يدركون معناها ولكنها تعتبر مِن الألفاظ البذيئة. ولكن يوجد بعض من الألفاظ التي يصعب قولها أو كتابتها ونسمعها يومياً في الشوارع والتليفزيون ونقرأها على شبكة الإنترنت. ومن الغريب أننا نرى نوعاً مِن الموضة حتى في الألفاظ البذيئة، فكلّ يوم نسمع شتائم جديدة، وهذا في الحقيقة أمر مؤسف جداً لأننا بهذه الطريقة لا نتحضّر بل نرجع إلى الوراء في مستوياتنا ومجتمعاتنا وتعليمنا.
لماذا نشتم:
يوجد العديد من الدوافع التي تجعلنا نشتم أو تتسبب في الشتيمة فمنها:
1) البيئة الإجتماعية: حيث يحصل الطفل أو الإنسان بشكل عام على المفردات البذيئة التي يتعلمها من بيئته. وكلّ بيئة لها طريقتها في التعبير عن الشتيمة، فمثلاً لو ذهبت إلى بيئة عربية وقلت لرجل عربي "يا امرأة" فمن الممكن أن يقتلك فهذه تعتبر شتيمة وإهانة له. أما إذا قلت نفس الكلمة لرجل من ثقافة أخرى فسيرد بكل بساطة "أنا لست امرأة بل رجل!" ولا يعتبرها إهانة. وإذا نظرنا إلى البيئة الفقيرة والغير متعلمة فمفرادات الشتيمة فيها تتركّب من الإهانات الجنسية، بينما الطبقات الأعلى فعندهم الإهانة أو الشتيمة تختلف، حيث يشتمون من الجهة الاقتصادية والمادية فمثلاً في طريقة اللباس. أيضاً الشتيمة يمكن أن تكون من خلال الحركات التعبيرية والإشارات والأصوات والأفعال، فبحركة واحدة يمكن أن نهين الآخرين ونتسبّب في جرح مشاعرهم.
2) مشاعر الكبت الداخلية: فيمكن أن تحدث الشتيمة بسبب الغيرة فنتعمّد أن نهين الآخر ونجعل الآخرين يحتقرونه، وهكذا فنصبح نحن الأفضل.
3) الشعور بالنقص: فإذا كان شخص ما في مستوى أرفع من الآخرين في المكانة الاجتماعية أو التعليمية أو المادية، فتنتج الشتيمة والإهانة بسبب الإحساس الآخرين بالنقص، فيحدث تفريغ للطاقة من خلال سب الآخر الأرفع في المستوى وشتمه.
4) سوء الفهم: فتحدث الشتيمة بسبب سوء فهم الآخر للآخر، كسوء فهم المفرادات اللغوية مثلاً.
5) رد الفعل: فتحدث الشتيمة نتيجة شيء فعله الآخر ولم يعجبني فأضطر إلى الشتيمة حتى دون تفكير.
أضرار الشتيمة:
للشتائم أضرار عضوية ونفسية لا تحصى فمنها:
1) تعتبر الشتيمة تفريغاً لما في الداخل وليست علاجاً لحلّ المشكلة، فالشتيمة لا تساعد على مواجهة المشكلة لأنّ ستظل قائمة، وستحدث مشكلة أكبر وأكبر.
2) ستتسبّب في جرح مشاعر إنسان، فمن الممكن أن ينسى الشتّام إساءته للآخر، ولكن الذي يُشتم لن ينسى أبداً. فهل تتذكر عزيزي شتيمة قالها لك إنسان ما منذ سنوات؟!
3) الشتيمة تُعتبر قتلاً للآخر من الناحية اللفظية والمعنوية والنفسية والاجتماعية، فالقتل ليس بالسلاح المادي فقط، بل بسلاح آخر أقوى وهو اللسان الذي يتلفظ بألفاظ قاتلة مثل سيف ذي حدين. فالسلاح يجرح الجسد ومع الوقت سوف يتعافى ويُعالَج، ولكنّ اللسان الذي يُخرِج كلمات سيّئة سوف تجرح النفس وستظل علامة طوال العمر. فلماذا أهدّ وأقتل غيري بكلمة بذيئة؟
4) سيواجه الشخص الشتام نفوراً اجتماعياً فلا يتصاحب عليه أحد إلا الشتّامين مثله.
5) بسبب شتيمة يمكن أن تخسر منصب، مجال للعمل، محبة الآخرين، فرصة زواج من شخص تقي وأيضاً ستخسر علاقاتك بالآخرين.
6) الشتّام لا يستطيع أن يكون قدوة حسنة عندما يكون زوجاً أو زوجة (أب، أم)، فهو لا يستطيع أن ينهى أبناءه عن أمر يقوم هو به.
7) تقول مجلة تايم الأمريكية أن الشتائم تؤثر فسيولوجياً على أجسادنا، حيث وجدت إحدى الدراسات أنّ نطق الشتيمة أو سماعها بصورة مستمرّة يؤدّي إلى تعرّق بالكفين.
8) الشتائم تعيق الحوار وتمنع التواصل بطريقة صحيحة وواضحة، فالشتم طريقة عدوانية وعدائية للتعبير عما يدور في ذهنك.
9) الشتائم تشوّه صورتك، فيمكن أن تسبب اللغة المسيئة تشويهاً لمظهر المستخدم لها، وللرجال بصفة عامّة حتى لو كان موظفاً عظيماً، فالشتّام يمكن أن يتأذى مهنياً من حيث الحصول على الترقية أو مسؤوليات جديدة ويفقد احترام الآخرين له.
10)إضعاف الشخصية، ربما يظنّ الشتّام أنه قوي وذو شخصية قوية، ولكن هذا خطأ كبير لأنه سوف يُنظر إليه دون احترام، لكنه في الحقيقة ضعيف الشخصية، ولا يستطيع أن يسيطر على لسانه وعقله الذي سمح له بالتفكير في الشتيمة. فهذا يدع لسانه يقوده ولا يستطيع أن يقود لسانه، فهو إذاً ضعيف.
11) الجهل، فالحكيم هو من يستطيع أن يتجنّب الأشياء الغير لائقة، ويظهر شخصيته في مواقف حسنة ولائقة تظهر احترامه للآخرين ولنفسه.
12) الشتائم تؤثر فيسيولوجياً على أجسادنا، حيث وجدت إحدى الدراسات أن نطق أو سماع الشتائم بصورة مباشرة يؤدي إلى تعرق بالكفين.
لماذا لا ينبغي أن نشتم؟
كما ذكرنا في النقاط السابقة بعض من أضرار الشتيمة الكثيرة على الإنسان، فهذا في حد ذاته سبب قوي يجعلنا نتجنّب أن نشتم! وأما السبب الأقوى لعدم الشتيمة هو أنّنا كمؤمنين اختبرنا نعمة الله في حياتنا وبدأنا مع الله حياة جديدة بقوة روحه القدوس العامل في قلوبنا، والآن نحن مدعوون لكي نسلك في طريق القداسة فلا نجازي عن شرّ بشرّ أو عن شتيمة بشتيمة (بطرس الأولى 3: 9) وأن لا تخرج كلمة شتيمة رديئة من أفواهنا كما نقرأ في رسالة أفسس (4: 29) "لا تخرجْ كلمة رديّة مِن أفواهكم، بل كُلّ ما كان صالحًا للبنيان، حسب الحاجَة، كي يعطيَ نعمة للسّامعين". هذه هي القاعدة التي ينبغي أن نراعيها فيما يتعلّق بكلماتنا: أن تكون كلمات بنّاءة تفيد السامعين، لكي ينعم الجميع بالحياة السعيدة الهانئة.
وفي (1 بطرس 3: 10) نقرأ "مَن أراد أن يحبّ الحياة ويرى أيّاما صالحة، فليكْفُفْ لسانه عن الشرّ وشفتيه أن تتكلّما بالمكر". فالإنسان الذي عرف الله ويريد أن يحيا حياة البرّ والنقاء يحفظ لسانه من الشرّ، بل بالعكس فهو إن شُتم فهو يبارك ولا يلعن، كما يقول بولس الرسول: "ونتعب عاملين بأيدينا. نُشتم فنبارِك. نُضطهَد فنحتمل" (1 كورنثوس 4: 12).
الوقاية: أتعلم مهارات التواصل الصحيح، أتعلم حل النزاع والتفاوض وأتعامل مع مشاعري السلبية بطريقة بنّاءة...وهكذا لا أكون مضطراً لكي أشتم كنوع من التفريغ عن مشاعري السلبية.
الوقاية والعلاج من الشتيمة:
قبل أن نتناول علاج الشتيمة، من الجيد أن نعرف طرق الوقاية! فإذا كانت الشتيمة في مرات كثيرة عبارة عن تفريغ للطاقة السلبية عند الإنسان الذي يشتم، فالأفضل أن يتعلم هذا الشخص كيف يستبدل طاقته السلبية بأخرى إيجابية. وإذا كانت الشتيمة ناتجة عن سوء فهم الآخر، فنبغي حينئذ أن يقوم الشخص بتطوير مهارات التواصل الفعّال مع الآخرين وحل النزاع بأشكال سلمية وطرق التعامل مع الأفكار السلبية بطريقة بنّاءة مفيدة، وهكذا لا يُضطرّ الإنسان إلى اللجوء للشتيمة كنوع من التفريغ عن المشاعر السلبية.
ربما نسأل أنفسنا: هل للشتيمة علاج؟ هل هي مرض من المفروض أن نتعالج منه ونقي أنفسنا منه أيضاً؟ إن الشتيمة في حد ذاتها داء يجب أن نجد لها الدواء لكي نتخلص منها، فكما يقول المثل: "لكل داءٍ دواء". إنها مرض مثل كل الأمراض التي يمكن أن تصيبنا، ولكن الفرق إننا نختار ذلك المرض أن يصيبنا وإنما الأمراض الجسدية الأخرى لا نختارها وإنما تصيبنا من حيث لا نعلم. فهل من العقل أن نختار لأنفسنا مرض نُصاب به؟!
إليكم بعض النقاط التي يمكن أن تساعد على علاج داء الشتيمة والتخلص منها:
1) الثقة بالنفس: مهما كان ينقصك مِن أشياء يجب أن تعلم أنه ما مِن إنسان كامل أو إنسان يمتلك كل شيء. فثق بنفسك واعلم أنّ لديك أشياء إيجابية كثيرة.
2) تقبّل النواقص والعيوب في حياتك، فما مِن عيب وإلا ويمكن إصلاحه أو التعامل معه بالإرادة والثقة في الله عندما نطلب العون منه.
3) الطلب من الله والصلاة الدائمة أن يساعدني كي أحبّ الآخرين.
4) حاول أن لا تحل مشكلة بمشكلة أكبر، فالشتيمة ليست حلاً بل بداية مشكلة أخرى.
5) فكّر في مشاعر الآخرين من حولك قبل أن تتفوّه بكلمة شتيمة!
6) فكر في الآية التي تقول: "كَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هكَذَا" (لوقا 6: 31)
7) حاول أن تتحلّى بطول الأناة وبطء الغضب، وحاول أن تتحكم في مشاعرك ولسانك ولا تجعلها تتحكم فيك، فيقول سليمان الحكيم: "اَلْبَطِيءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ الْجَبَّارِ، وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً" (أمثال 16: 32).
8) عوّد لسانك على كلام التشجيع واللطف فلا تجد مكان للشتيمة والسب والكلام البذيء "اَلْكَلاَمُ الْحَسَنُ شَهْدُ عَسَل، حُلْوٌ لِلنَّفْسِ وَشِفَاءٌ لِلْعِظَامِ" (أمثال 16: 4).
كيف نستفيد من شتائم الآخرين لنا؟
هل يمكننا أن نستفيد من شيء سيئ يمكن أن يتسبب في جرح سمعتنا أو مشاعرنا مثل الشتيمة؟ هل يمكننا أن نتعلم من الشتامين أشياء جيدة يمكن أن تفيدنا في حياتنا؟ الإجابة نعم!! فعلى سبيل المثال لقد طوب السيد المسيح جميع المطرودين والمعايرين والمضطهدين لأن لهم ملكوت الله، حيث قال: "طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ" (متى 5: 11).
فإذا شُتمنا ونحن صامتون ننال البركة والتطويب من الله، ولهذا أوصانا السيد المسيح قائلاً: " لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا" (متى 5: 39). فعندما نقاوم الشر بالخير ننال البركة ونتعلم الاحتمال وطول الأناة أيضاً، وهذا ما نقرأه في (1 كورنثوس 4: 12) "وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا. نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ". بالإضافة إلى ذلك، فنحن عندما نُشتم ففي معظم الأحيان نشعر بالغضب ولا نفكر في الشتيمة نفسها، وبالتالي لا نبذل أي جهد في أن نفهم الرسالة التي يحاول الشخص الذي يشتمنا إيصالها إلينا. يمكن أن تكون شتائم الآخرين هي باب ندخل من خلاله إلى نفس الشتّام، ويمكننا أن نستفيد من ذلك لتحسين التواصل معه في المستقبل.