هذه الآية من أهم قواعد الكتاب المقدس ونسميها القاعدة الذهبية التي إذا عملنا بها بالفعل وتمسّكنا بها سوف نعيش في مجتمع هادئ ينعم بالسلام والأمن فلا أحد يؤذي الآخر أو يسبب له الشر لأنه لا أحد يريد الأذى والشر لنفسه كما تقول الآية عامِل الناس كما تريدهم أن يعاملوك، بمعنى أن ترضى الصالح للآخرين كما ترضاه لنفسك، وليس بمعنى أن تخدم أهواء الناس ومطالبهم تبريراً لتدبيرها لنفسك. كما تخبرنا الآية عن المحبة العملية، فعلى الأخ أن يحبّ أخيه كنفسه فيطلب له ما يطلبه لنفسه، ويُقدّم له ما يترجّى هو مِن الآخرين أن يقدّموه له، فإذا كنا نحبّ أن يعالمنا الآخرون بالرحمة والشفقة فعلينا أن نعاملهم هكذا أيضاً. وإذا أردت للآخرين أن يسامحوك فعليك أن تسامحهم أنت أوّلاً.
كان في بلدة ما رجل غنيّ جدّاً يملك الآلاف مِن العبيد، فأراد يوماً أن يحاسب عبيده، فلمّا ابتدأ في المحاسبة قُدِّم إليه عبد مديون له بعشرة آلاف جنيه، وإذ لم يكن لذلك العبد ما يوفي بالدين أمر سيّده بأن يُباع هو وامرأته وأولاده وكلّ ماله ويوفي الدين، حينئذ سجد العبد على ركبتيه متضرّعاً لسيده قائلاً: "يا سيدي أرجو أن تصبر لي لمدة شهر وسأوفيك دينك كلّه!". فتحنّن الرجل الغني على العبد وأطلقه وترك له الدين.
ولمّا خرج ذلك العبد مِن قصر سيّده وجد واحداً من العبيد رفقائه، فكان مديوناً له بمئة جنية فأمسكه وأخذ بعنقه قائلاً: "أوفني ما لي عليك الآن!!"، فخرّ العبد صديقه على قدميه متوسّلاً إليه والدموع تسيل على خدّه، وقال: "أرجو أن تتمهّل عليّ يوماً واحداً وسأوفيك الجميع". فضربه وصرخ في وجهه وأصرّ أن يأخذ ماله في الحال، ثمّ مضى به وألقاه في السجن حتى يوفي الدين. فلما رأى العبيد رفقاؤه ما حدث، حزنوا جداً وأتوا وقصّوا على سيدهم ما حدث، فدعاه حينئذ سيّده وقال له: "أيّها العبد الشرير، كل ذلك الدين تركته لك ورحمتك لأنك توسّلت إليّ وطلبْتَ منّي، أفما كان ينبغي أنك أنت أيضاً ترحم العبد رفيقك وتسامحه بالدين؟!". فغضب سيّده وأسلمه إلى المعذبين وألقى به في السجن حتى يوفي كل ما كان عليه.
هكذا يفعل سيدنا السماوي معنا، فالله عندما يسامحنا ويغفر لنا ذنوبنا وخطايانا تجاهه، فالمتوقّع منّا نحن أن نسامح الآخرين وننسى لهم زلاتهم وأخطاءهم تجاهنا؟! صحيح أنّ الله يسامحنا ويحبنا مهما فعلنا، ولكن ليس من المعقول أن تنال غفران الله ومحبته لك وأنت لا تقدّم المحبة والغفران للآخرين!