ماذا ستقرأ؟

ماذا ستقرأ؟

ماذا ستقرأ؟
الإصدار الأكثر مَبيعاً أم الأكثر فـَتكاً!
 
كانت سناء طالبة في الصف الثاني الثانوي وكانت تذهب إلى المدرسة بانتظام وتجتهد في دروسها كـَسائر الزملاء والزميلات. لقد ركـَّزَت جهودها على دراسة العلوم والرياضيات نظراً لِرَغبتها في الالتحاق بكُلـِيَّة الطب. ولذا كانت سناء تعمل بجد لتحصل على أعلى الدرجات.
 
باتت سناء تعيش في عالم الأحلام والخيال، ورأت حياتها الواقعية مُمِلــَّة، فلم تـعُد تهتم برياضة الجمباز التي كانت تحبها أو كرة السَلـَّة التي كانت مُنضمَّة إلى فريقها. وبدت لها صديقاتها غير ناضجات لا بل طفوليات أحياناً. و لم تعد تـُعير للمدرسة أي اهتمام. وأخذت علاماتها في الهبوط تدريجياً. استمرت سناء في قراءة تلك الروايات العاطفية الرومانسية بالرغم مِن تحذير صديقاتها لها بأن تلك الروايات جعلتها تتبدل كثيراً. وأخيراً انتهى بها الأمر بترك المدرسة ثــُمَّ الزَّواج.
 
لم يَرْقَ الزوج الجديد لمستوى توقــُّعات سناء غير الواقعية. فقد كانت تبحث عن رجل الروايات الرومانسية الذي ليس له وجود في عالم الواقع. ومع مرور الوقت، أدّى عدم التوافـُق والاحتكاك بينهما إلى الطلاق. تزوجت سناء ثم تطلــَّقت مرَّتين. ولم تـُحقِّق حلمها الأول في أن تصبح طبيبة. واليوم أضحت تـَقبَل بأية وظيفة أو حتى عمل يَدَويّ يُعرَض عليها. لم تعثـُر على فتى أحلامها ولن تعثر عليه أبداً. لقد ابتكرت في مخيلتها رجلا ذا صفات خيالية حصلت عليها من تلك الروايات والقصص العاطفية، فلا أحد في الوجود يتحلى بمثل تلك "المِثاليات" الغريبة الموجودة فقط في الروايات الرومانسية. وكانت نتيجة قراءتها لها هو الفشل الذريع في حياتها الزوجية.
 
إن هذا الاختبار للأسف الشديد هو اختبار حقيقي يتكرَّر مِرارًا في حياة الكثيرين كل يوم. لقد أدركت سناء أخيراً ولكن بعد فوات الأوان أن الحياة الواقعية تتخلــَّلها لحظات سعادة ونجاح، كما تتخللها لحظات حُزن وإحباط. وفي حياة الواقع لا يوجد إنسان كامل ولا تتحقق جميع أحلامنا، إلا أنَّ سناء قد فشلت في التعامل مع واقعها بإيجابية.
 
كتــّبَت ج.م. ترفيليان هذه الكلمات: "لقد أنتج العِلم شعباً يستطيع القراءة، لكنه لا يستطيع التمييز بين ما هو نافع للقراءة وما هو ضار". إلى أيَّة فِئة تنتمي أنت؟ هل تـُدقــِّق في كل ما تختاره مِن كتب ومجلات؟ أم أنَّك تقرأ أي شيء وكل شيء؟ أَمِنَ المُهِم أن نـُفكــِّر جيداً قبل الإقدام على القراءة؟ إننا كمؤمنين نُهيِّئ أنفسنا للعيش في جنة الخـُلد مع الله. كما يتوجَّب علينا أن نـَعيش اليوم. وما نقرأه يؤثــِّرُ على حياتنا الحاضرة والآتية.
 
إنَّ العِلم يمنحنا قـُدُرات عقليَّة وجسديَّة وروحيَّة، كما يمنحنا القدرة على التمييز بين ما هو صالح وما هو رديء للمطالعة. إنَّ الحصول على اِلمعرفة يُوفــِّر لنا فـُرَصاً عديدة. وكمؤمنين بالله يتحتـّم علينا اختيار المواد الصالحة التي مِن شأنها أن تقوي عقولنا وعلاقتنا بالسيد المسيح.
 
تــُحاول دور النشر إقناعنا بأن كل ما يُنشر ويُباع على نطاق واسع هو صالح للقراءة، لا بل ضروري ومفيد لنا، ولا نستطيع العيش بدونِه. ويُنفِق الناشرون الملايين على الدعاية والإعلان لحثــِّنا على شراء آخر وأحدث رواياتهم وإصداراتهم. ولكنْ كم مِن مَرَّة كان الإصدار الأكثر مبيعا هو الأكثر فتكا!
 
إن القراءة تـُحدِثُ ما يُشبه القنوات أو الطـُرُق في المخ. وعندما نقرأ نسمح لأفكار وآراء شخص آخر أن تـُرسِّخ وتـُعمِّق تلك القنوات. كما أنَّ الصور والمشاهد التي نتخيلها أثناء القراءة تـُخزَن في عقلنا الباطن. وتبقى المعلومات والمشاهد في عقولنا على مدى شهور وسنين. والسؤال الذي يَطرح نفسه هو: ما هي نوعيَّة المعلومات التي نريد أن نخزنها في عقولنا؟ هل نرغب في أن نجعل قصص الرعب والحب الخيالي غير الواقعي والخيال العلمي أن تـُؤثــِّر علينا وعلى تفكيرنا؟
 
 
كيف يمكننا إذاً أن نعرف ما هو صالح ويستحق القراءة؟
أولاً:
 
اجعل لنفسك قائمة تتضمَّن الأسباب التالية:
 
1.    ما هي نوعيَّة المواد التي تقرأها؟ (كطالب، يُطلب منك قراءة كتب أدبية وعلمية وتاريخية الخ.)
2.    في مجال القراءة الترفيهية، ماذا تقرأ؟ (سيرة ذاتية لشخص مشهور؟ كتب سياحيَّة؟ كتب معلوماتيَّة؟ تعلــُّم الكمبيوتر؟ فن؟ أو اصنع بنفسك؟)
3.    هل تقرأ وبصورة مستمرة قصص الخيال العلمي أو الرُّعب أو الرومانسية أو الهزل البذيء؟ (نعم - لا)
 
 
ثانياً:
 
عند الانتهاء من كتابة القائمة، الق نظرة على الفئات المختلفة. أتقرأ أنواعاً مختلفة من القصص والمواد؟ هل انحصرت قراءتك على مجال واحد فقط؟ إن القراءة المنحصرة في مجال واحد فقط كالكمبيوتر مثلاً، دون الاطلاع على مجالات أخرى كالتاريخ والعلوم والفنون، تـُفقدك الكثير من المعلومات. فأنت تعلم الكثير عن الكمبيوتر لكنك تجهل كل شيء عن أهرامات الجيزة أو البتراء أو أرز لبنان أو مدينة نينوى الخ. فأنت بذلك تشبه الشخص الذي يأكل الخبز والزيتون كل يوم دون أن يُجرِّب مَرَّة أكل التبولة أو الفول أو الفلافل. إذاً عليك اختيار مواضيع مختلفة للمطالعة، وذلك لهدف توسيع معلوماتك ومجالات اهتمامك.
 
 
 ثالثاً:
 
من الأمور الحيوية الأخرى التي يجب أن تضعها بعين الاعتبار هي اسأل نفسك: لماذا كتب هذه القصة؟ ما هي الأفكار أو القرارات المصيرية التي يريدني أن أتبنّاها عندما أقرأ مؤلفاته؟ تـَذكــَّر ما كــُتِبَ في سفر الأمثال 14: 7 "اذهَبْ مِن قـُدّام رَجلٍ جاهل إذ لا تشعر بـِشَفـَتـَي مَعرِفـَة." هل يستطيع كاتب غير مؤمن بالله أن يُقدِّم لنا أي نوع من المعرفة نحن بحاجة إليها؟ وكيف نثق بنظرياته إن لم تكن مُرتكزة على كلمة الله؟ اسأل نفسك هذه الأسئلة: "إذا قرأتُ هذا الكتاب أو تلك القصة، هل ستتقوَّى وتترسَّخ معرفتي بالله؟ أم أن قراءتي لمثل هذه المطبوعات ستجعلني أتحاشى القـُربَ منه وتبعدني عنه؟
 
 
 رابعاً:
 
كمؤمنين بالله يجب أن يأخذ الكتاب المقدس الحَيِّز الأهم والأكبر في برنامج قراءتنا. كثيرون يَدَّعون أنَّ ليس لديهم الوقت لقراءة الكتاب المقدس، لكنهم يجدون مُتــَّسَعاً مِن الوقت لقراءة الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية. إنَّ إهمال قراءة الكتاب المقدس يبعدنا كثيراً عن الله، والبعد عن الله يَحُط مِن أخلاقنا وصفاتنا. فالكتاب المقدس يحتوي على كل الإرشادات التي نحتاجها في الحياة. صحيح أنه لا يتضمن قوانين تخُصُّ كل كبيرة وصغيرة في حياتنا، لكنَّ الله كتب لنا المبادئ والأسس التي بها ينبغي أن نحيا. وهو تعالى يريدنا أن ندرس تلك المبادئ بإمعان ونـُطبِّقَها في حياتنا. وإذا فشلنا في قراءتها لن نستطيع تطبيقها.
 
 إن اعتقادك أن قراءة الكتاب المقدس هو أمر ممل يدل على أن المواد الأخرى التي تقرأها أصبحت تسيطر عليك. فالكتاب المقدس يحتوي على أروع قصص المغامرة والحركة والغموض في العالم. اتــَّبـِع إسلوبا جديداً عند قراءتك للكتاب المقدس. اختر لك قصة مُعيَّنة، ثم استخدم حواسَّك الخمس عند قراءتها. فأصغ إلى كل الأصوات التي تصدر في مشهد معين.
تـَنـَشَّق رائحة الحقول والطعام والحيوانات الموجودة في القصة. انظر إلى علامات الحُزن والأسى في عيون آدم وحواء حين دفنا ابنهما هابيل، أو إلى علامات الفرح في عيون الأب عند عودة ابنه الضال إلى أحضانه. إن اتباع هذا الأسلوب سَيُعيد إلى قصص الكتاب المقدس الحياة والروح والتشويق.
 
لقد كتبت كاتبة مُلهمة الكثير عن مواد القراءة. وأكــَّدَت بشكل قاطع أنه يجب علينا أن نحترس ونـُدقــِّق بعناية في اختيار ما سنقرأه قبل الإقدام على قراءته. وفي مجلة تـُدعى "مرشد الشبيبة" كـَتـَبت هذه الكلمات: "إنَّ الشيطان يعلم جيدا أنَّ العقل يتأثر بما نـُغذيه. وهو (الشيطان) يسعى أن يقود الشبيبة والراشدين لقراءة القصص الخرافية والأساطير ومواد أخرى.
 
 إن قـُرَّاء تلك المواد يُصبحون غير مؤهَّلين للواجبات المطروحة أمامهم. فهم يعيشون حياة غير واقعية، وليس لديهم الرغبة في أن يفتشوا الكتب المقدَّسة". إن الشيطان يعلم يقينا أن السيطرة على عقولنا هو سلاح سيمنحه النصرة على حياتنا، لذلك احذر عزيزي من أن تجعله يسيطر على عقلك من خلال ما تقرأ، فقراءتك للكتب العالمية الأكثر مبيعاً قد تجعلك معرضاً للمواد الأكثر فتكاً. ولن يَقبَل الشيطان بأقل من حياتك، وسيستخدم كل وسيلة مُتاحة لديه كي ينتزع منك الهبة التي منحك إياها السيد المسيح، ألا وهي الحياة الأبدية.
 
يَعِدُنا الله أن بإمكاننا الحصول على كل الحكمة التي نحتاجها. ففي سفر يعقوب الأصحاح 1 والآية 5 نقرأ هذه الكلمات: "وإنـَّما إن كانَ أحدُّكـُم تـُعوزُهُ حِكمَة فَليَطلب مِن الله الذي يُعطي الجميع بـِسَخاء ولا يُعيِّر فسيُعطي له."
 
نستطيع أن نطلب الحكمة في أي وقت، ولكن إذا كـُنــَّا مُنهمكين في تغذية عقولنا وأفكارنا بما هو عالمي، سيصعب علينا سماع صوت الله. لذلك عند إقدامِك على اختيار كتاب لتقرأه في المَرَّة القادمة، احرص على اختيار ما هو مفيد لحياتك.   
 

نحبّ أن نسمع منك، فأسئلتك وتعليقاتك هي دائماً موضوع اهتمامنا!