لماذا قسَّى الله قلب فرعون؟

 معظم الناس يجدون صعوبة في فهم السبب الذي مِن أجله قسَّى الله قلب فرعون. فالآية المذكورة في سفر الخروج 7: 3 تقول وبكل وضوح: "ولكني (الله) اُقسِّي قلب فرعون وأكثر آياتي وعجائبي في أرض مصر". هذه الآية تجعل الكثيرين منا يعتقدون بأننا محرومون من حرية الاختيار، وكأنَّ الله يهيمن على قرارات الإنسان وتصرفاته. وهنا يأتي السؤال: أين الحرية الشخصية؟ إذا كان الله قد قسَّى قلب فرعون، فهل كان الفرعون مسؤولاً عن أفعاله؟ في هذا المقال سوف ألفت نظرك، عزيزي القارئ، إلى بعض الأشياء التي ستساعدك على فهم هذا الموضوع الشائك.
 
 
توضيح المعنى
 
في بعض اللغات، عندما نستعمل التعبير "قاسي القلب" لنصف تصرفات شخص ما، كأن نقول بأنه صلب وشديد، خالٍ من الرحمة واللين - ونحن بذلك نشير إلى الناحية العاطفية للشخص. أما في اللغة العبرية، فمفهوم ومعنى عبارة "قاسي القلب"، لا تعني الناحية العاطفية للشخص، بل الناحية الفكرية. فالقلب في الكتاب المقدس يُشار إليه كمركز التفكير وإتخاذ القرارات. وعلى هذا الأساس، فإن عبارة "قاسي القلب" تعني أن الشخص لا يستعمل طاقاته كما يجب، ولا يتصرَّف كما ينبغي - حتى لو جوبه بالحقائق. مثل هذا الشخص نصفه بالعنيد أو المتشبِّث برأيه.
 
ولكن ما معنى الآية التي تقول: "أقسِّي قلب فرعون"... والكلام هنا عائد إلى الله سبحانه عندما خاطب النبي موسى! هل يعني هذا بأنَّ الله هو الذي يُقسِّي القلوب وهو الذي يجعلنا عناداً أشدّاء، خالين من الرحمة؟ حاشا لله أن يفعل هذا، فهو الصالح ومصدر كل خير وصلاح. فما معنى الآية هنا، وكيف نفهم دور الله في تقسية قلب فرعون؟
 
إنَّ الله بسابق علمه ومعرفته عن فرعون وموقفه وقراراته، قال: "أشدِّد قلبه حتى لا يُطلق الشعب" (سفر الخروج 4: 21). فالله سبحانه لا يُجبر أحداً على عمل شيء لا يريده ولا يختاره بنفسه، فإلهنا هو إله الاختيار والحرية، لا إله الإجبار والإكراه. وهو تعالى يُعطي كل واحد منا أكثر من فرصة لنرى عجائبه ونتبصَّر تدخُّله العظيم في مجريات وأحداث الحياة من حولنا حتى نصحو ونعلم أنه هو الله وليس مثله في كل الأرض. وقد شاءت عناية الله أن تـُجلس ذلك الفرعون على عرشه في تلك الفترة ليرى بعينيه قوة الله وعظمته فيرجع عن عبادته الزائفة وإيمانه الخاطيء. إلا أن ذلك الطاغية المتغطرس أضاع حقه في رحمة الله، واختار قساوة القلب. وفي كل مرة رفض فيها الإيمان بقدرة الله العجيبة التي كان ينظرها من خلال الضربات التي حلـَّت على مصر آنذاك، كان يزداد عناداً وإصراراً على العصيان وكأنه بذلك جلب على نفسه قساوة قلب أعمى ومريض لا أمل من شفائه بالرغم من كل الآيات والعجائب التي صنعها الله أمامه.
 
 
 استخدام العبارة
 
إنَّ كلمة قسَّى أو اُقسِّي أو شدَّد أو اشتدَّ أو غلظ أو غيرها - ضمن نفس هذا السياق والمعنى، مُستعملة حوالي 20 مرة في سفر الخروج، نصفها يتم وصف الله على أنه هو الفاعل - قسَّى الله قلب فرعون، بينما نصفها الآخر يتم وصف فرعون على أنه هو الفاعل - قسَّى قلبه).
الهدف مِن نَسْبِ هذه التعابير إلى الله تارة وفرعون تارة أخرى هو لإظهار الصراع الذي كان دائراً ما بين الله – الإله الحقيقي، وفرعون - آلهة مصر المزيفة والوثنية. فمَن هُوَ المُسيطر على الأمور؟ وهذا ما يؤكده لنا كلام الفرعون عندما قال: "مَن هو الرب حتى أسمع لقوله فأطلق إسرائيل. لا أعرف الرب وإسرائيل لا أطلقه" (خروج 5: 2). ثم نقرأ لاحقاً أحداث القصة ونجد كيفية تدخُّل الله من خلال العجائب والآيات العظيمة التي صنعها أمام المصريين ليعرفوا بأن إله موسى هو الله "فيعرف المصريون أني أنا الرب حينما أمدُّ يدي على مصر" (خروج 7: 5). وبالرغم من كل ذلك، نجد أن فرعون وغالبية شعبه رفضوا جميع الآيات والعجائب التي أجراها الله وسطهم وعلى أرضهم. إن قساوة قلب فرعون تجلـَّت من خلال رفضه الاعتراف بأن الله هو الإله الحقيقي.
 
 
 الدور الإلهي
 
عندما تكلـَّم الله إلى النبي موسى، أعلن له بأنه: سيُقسِّي قلب فرعون. وتسلسل الأحداث في القصة يوضح لنا ما قصده الله.
 
أولاً، إنَّ قصة الضربات تشير بوضوح إلى أنَّ فرعون قسَّى قلبه، وتصرُّفه الشخصي هذا يجعله هو المسؤول عن قساوة قلبه. لاحظ معي الآيات التالية:
 
1.    "فاشتدَّ قلب فرعون فلم يسمع لهما كما تكلم الرب" (خروج 7: 13 و22)
2.    "فلما رأى فرعون أنه قد حصل الفرج اغلظ قلبه ولم يسمع لهما كما تكلم الرب" (خروج 8: 15)
3.    "فقال العرافون لفرعون هذا أصبع الله. ولكن اشتدَّ قلب فرعون فلم يسمع لهما كما تكلم الرب" (خروج 8: 19)
4.    "ولكن أغلظ فرعون قلبه هذه المرة أيضاً فلم يطلق الشعب" (خروج 8: 32)
 
ثانيًا، نجد قساوة قلب فرعون تعدَّت أو انتقلت إلى المسؤولين في حاشيته، فهم أيضاً قسّوا قلوبهم: "ولكن فرعون لما رأى أن المطر والبرد والرعود انقطعت عاد يخطيء وأغلط قلبه هو وعبيده" (خروج 9: 34). أي أنه لم يكتفِ بنكران الله، بل أثـَّر على حاشيته وعبيده وساقهم معه في طريق قساوة القلب.
 
 ثالثًا، من أحداث القصة، نلاحظ بأن الكتاب المقدس يصف فرعون بأنه هو نفسه قسَّى قلبه خلال الضربات الأولى. ولكن بعد الضربة الخامسة، نلاحظ بأن الكتاب المقدس يقول بأن الله قسَّى قلب فرعون:
 
1.    "ولكن شدَّد الرب قلب فرعون فلم يسمع لهما كما كلم الرب موسى" (خروج 9: 12)
2.    "ثم قال الرب لموسى ادخل إلى فرعون. فإني أغلظت قلبه وقلوب عبيده لكي أصنع آياتي هذه بينهم" (خروج 10: 1)
3.    "ولكن شدَّد الرب قلب فرعون فلم يُطلق بين إسرائيل" (خروج 10: 20)
4.    "ولكن شدَّد الرب قلب فرعون فلم يشأ أن يُطلقهم" (خروج 10: 27)
5.    "ولكن شدَّد الرب قلب فرعون فلم يُطلق بني إسرائيل" (خروج 11: 10)
6.    "واُشدّد قلب فرعون حتى يسعى وراءهم. فأتمجَّد بفرعون وبجميع جيشه. ويعرف المصريون أني أنا الرب" (خروج 14: 4).
 
هذا يعني بأن الله خلال الفترة السابقة كان يُعلن للفرعون عن ذاته – علـَّه يقبله إلهاً ويهجر وثنيته. ولكن رفض الفرعون الدائم والعنيد أوصلاه إلى وضعه الميؤوس منه هذا. فقرار الله سبحانه بتقسية قلب فرعون كان نتيجة عمل وتصرُّف فرعون نفسه – ليس لأن الله تعالى يعتمد في قراراته على أعمال أي واحد من بني البشر، ولكن لأنه لا يُصدر حكمه النهائي بالإدانة والرَّفض إلا بعد أن يمنحنا فرصة تلو الأخرى لنختار إما الإيمان به أو نكرانه.
 
فهل سنـُقسِّي قلوبنا اليوم كما فعل فرعون مصر، أم سنطلب من الله أن يعطينا قلباً جديداً؟ لقد وعدنا الله في كتابه المقدس وعداً جميلاً جداً عن قدرته على تغيير قلوبنا الخشنة والعنيدة والمتحجرة إلى قلوب جديدة وحسَّاسة ومدركة لعمله العظيم في الخليقة من حولنا، إذ قال تعالى: "واُعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديدة في داخلكم وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيك قلب لحم. وأجعل روحي في داخلكم وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملون بها" (سفر حزقيال 36: 26). فاطلب معي الآن تحقيق هذا الوعد في حياتك لئلا ينطبق علينا حكم الله بقساوة القلب.
 

نحبّ أن نسمع منك، فأسئلتك وتعليقاتك هي دائماً موضوع اهتمامنا!