نحو علاقات زوجية ناجحة

في ذات يوم، وبينما كانت مريم تتحدَّث إلى والدتها ماجدة، قالت لها: "لكن على أمجد أن يعرف جيدًا ما أحتاج إليه لأنه زوجي وهو يحبني!".
 
لم تـُجب الأم ماجدة على كلام ابنتها، بل صمتت للحظة ثم قالت لمريم: "عندما يبكي ابنك الصغير رامي، هل تعرفين دائماً السبب الذي يدعوه للبكاء؟"
 
"كلا" أجابت مريم، "أحياناً أحتار في أمري ولا أعرف سبب بكائه! إنه مُجرَّدُ طفل صغير يا أمي ولا يعرف كيف يخبرني عمَّا يزعجه."
 
فقالت الأم: "هذا صحيح، لكنك تحبينه! فكيف لا تفهمين السبب الذي يدعوه للبكاء؟ إذا كنتِ تحبينه، عليك أن تعرفي جيدًا ما يحتاج إليه طوال الوقت! أليس هذا ما تتوقعينه من زوجك أمجد؟"
 
صمتت مريم للحظة، ثم فكـَّرت مع نفسها: ""أه لو استطاع ابني رامي أن يخبرني بكل ما يحتاج إليه، لأصبحت حياتي أسهل بكثير! ربما يجدر بي أن أخبر أمجد بما أحتاجه منه، وربما يجدر بي أيضًا أن أعرف منه كل ما يحتاجه هو مني!". ثم ردَّت مريم على كلام والدتها قائلة: "حسنًا. أفهم الآن ما تحاولين قوله لي يا أمي".
 
 إن فهم المعنى الحقيقي للحب، بالنسبة لمريم وأمجد، كان سرًا غامضاً خلال السنوات الأولى من زواجهما. فقد أحبَّا أحدهما الآخر وحاولا أن يُظهِرا العناية والاهتمام بعضهما ببعض، إلا أنهما وفي أحيان كثيرة كانا يُخفقان ويقعان فريسة للمشاكل وسوء التفاهم واللوم وخيبات الأمل. فقرّرا الذهاب إلى أخصائي في العلاقات الزوجية – الذي تبيَّن لاحقاً بأنه مصدر ارتياح كبير لهما. لقد قدّم لهما هذا الأخصائي طريقة مختلفة تمامًا للنظر إلى علاقتهما وكيف يمكنهما أن يُحبَّا بعضهما بطرق أكثر عمقًا وواقعية وعملية. كما أن مقترحاته لهما ساعدتهما أيضًا في تنمية علاقتهما بالآخرين، سواء كانوا أبناءهما أو زملاءهما أو الأقارب أو الجيران أو حتى الغرباء الذين يقابلانهما في الطريق.
 
 لقد أشار هذا الأخصائي إلى أن هناك عشرة وصايا أساسية للعلاقات الناجحة. وهذه الوصايا تتمثـَّل في الحاجة إلى: القبول، والاهتمام العاطفي، والتقدير، والاستحسان، والاهتمام، والراحة والتعزية، والتشجيع، والاحترام، والأمن والأمان، والدعم والمساندة. وبالرغم من أنَّ طريقة التعبير عن هذه الحاجات يتم بطرق وأساليب مُختلفة – اعتماداً على الثقافة أو المجتمع أو العصر أو غير ذلك من أمور، إلا أنها هامة وأساسية من أجل بناء علاقات سليمة وقوية. وبدون هذه المُقوِّمات الأساسية في العلاقات، سرعان ما سيزاولنا شعور بأننا منبوذين، غير مُقدَّرين، غير محبوبين، لا أهمية لنا، ولا ننتمي لأحد.
 
 ما هي الاحتياجات أو المقوِّمات الأساسية للعلاقات الناجحة؟
 
أولاً: القبول وسعة الصدر. إنَّ استعدادنا لقبول الشخص الآخر بغض النظر عن الخطأ الذي اقترفه هو من أعظم الاحتياجات التي تتطلبها النفس البشرية. أحيانًا كثيرة نجد أن سلوكنا وطريقتنا في التعامل مع الآخرين – فيما يتعلـَّق بالقبول، يتأثـَّران بالمحيط والمجتمع والعادات والتقاليد. فلنواجه أي عوائق ولنسعى دائماً لقبول الآخرين واكتشاف فضائلهم بدلاً من عيوبهم ونقائصهم وأخطائهم. إذا كـُنتَ مُخطئاً، اعترف بخطئك وأفصح عن احتياجك للشعور بالقبول. أما إذا كُنت المتضرر، فأكـِّد لشريكك بأنك ستقبله برغم كل ما حصل. "لذلك اقبلوا بعضكم بعضًا كما أنَّ المسيح أيضًا قبلنا، لمجد الله" (الرسالة إلى أهل رومية 15: 7).
 
  ثانيًا: الاهتمام العاطفي. لا معنى ولا وجود للحب ما لم يتم التعبير عنه. أما بالنسبة لطرق التعبير فهي عديدة ومختلفة. إذا شعرت بفتور أو عدم اهتمام من شريك حياتك في هذا المجال، فاطلب منه إظهار الاهتمام والحب بالطرق التي تفهمها أنت. أو أظهر استعدادك لإظهار اهتمامك العاطفي بشريك حياتك بالطريقة الأقرب إلى قلب الشريك.
 
  ثالثًا: التقدير وتقديم كلمات الشكر والثناء. على الزوجين أن يُعرِّفا بعضهما بتقدير أحدهما للآخر. اجعلا منزلكما مكاناً تفوح منه رائحة كلمات التقدير الرقيقة والشكر على أي عمل مهما كان بسيطاً أو متواضعاً.
 
  رابعًا: الاستحسان والكلمات الإيجابية التي تبني وتكون سبب بركة للآخرين. احترس من كلامك، لأن فيه يكمن تأثير كبير إما للخير أو للشر. "كل ما كان صالحًا للبنيان، حسب الحاجة" (الرسالة إلى أهل أفسس 4: 29).
 
  خامسًا: الاهتمام. استمرَّا في إظهار اهتمامكم الأول لبعضكما. "لكي لا يكون انشقاق في الجسد، بل تهتم الأعضاء اهتمامًا واحدًا بعضها لبعض" (الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 12: 25).
 
  سادسًا: الراحة والتعزية. أظهر مشاعرك وأحاسيسك وتجاوب مع مُعاناة وآلام الطرف الآخر مِن خلال الكلام والمشاعر والتصرفات والأفعال. أبسط ما يُمكن أن يُقال في هذه المواقف: "ما الذي يمكنني القيام به لتعزيتك وبعث الراحة في نفسك؟". "حتى نستطيع أن نُعزِّي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزَّى نحن بها من الله" (الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس 1: 4).
 
  سابعًا: التشجيع الدائم والرفع من الروح المعنوية حتى يتمكنوا من تحقيق أهدافهم. إذا أردتَ أن تكون مُشجِّعاً، يمكنك أن تقول: "أعلم أنه عمل صعب، لكنك تبلي بلاء حسنًا جدًا. أنا فخور بك! "ابنوا أحدكم الآخر، كما تفعلون أيضًا" (الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي 5: 11).
 
  ثامنًا: الاحترام المُتبادل. لا يجب على الشريك أن يقول كلاماً جارحاً (ولو حتى بدافع المزاح) على حساب مشاعر الطرف الآخر. "وادين بعضكم بعضًا بالمحبة الأخوية. مقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة" (الرسالة إلى أهل رومية 12: 10).
 
  تاسعًا: الأمن والأمان والشعور بالسلام في العلاقة. أي شيء من شأنه أن يشوِّه السلام والرباط العائلي يجب التعامل معه بحزم وبلا هوادة. "سالموا جميع الناس" (الرسالة إلى أهل رومية 12: 18).
 
  عاشرًا: الدعم والمساندة وتقديم العون. "احملوا بعضكم أثقال بعض" (الرسالة إلى أهل غلاطية 6: 2).
 
 من أين تبدأ تلبية مقومات واحتياجات علاقاتنا الناجحة؟ وكيف تتدرَّج؟
 
1. من محبة الله لنا. نحن بحاجة لأن نعرف أن الله يحبنا. إنه سبحانه يمدّنا بكل الأشياء التي نحتاج إليها، سواء كانت احتياجات جسدية أو روحية أو حتى نفسية. "فيملأ إلهي كل احتياجكم" (الرسالة إلى أهل فيلبي 4: 19).
 
2. من محبة الآخرين لنا. نحتاج أن نعرف أن الآخرين يحبوننا أيضًا ويهتمون بنا. عندما يأخذ الآخرون من وقتهم لتلبية احتياجنا، فهذا مِن شأنه أن يقوي العلاقات فيما بيننا. "ابنوا أحدكم الآخر" (الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي 5: 11).
 
3. من محبة النفس. لا أقصد هنا محبتنا الأنانية لأنفسنا لأننا أفضل من غيرنا، بل تقبـُّل النفس وتقديرها لأننا محبوبون من الله أولاً ومِن الآخرين ثانياً. هذا بالتأكيد كفيل بأن يجعلنا نشعر بأننا ذووا قيمة. كما أننا سنشعر بمزيد من الأمل والرجاء والسعادة، وسيقل شعورنا بالوحدة.
 
4. إذا كنا نشعر بمحبة الله والآخرين لنا ونتقبَّل أنفسنا، ستملأنا أفكار إيجابية وسنصبح أكثر قدرة على تلبية احتياجات الآخرين وخدمتهم. "وصية جديدة أنا أعطيكم: أن تحبوا بعضكم بعضًا. كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضًا بعضكم بعضًا" (إنجيل يوحنا 13: 34).
 
5. إنَّ خدمة الآخرين وتلبية احتياجاتهم سيُساعداننا على النمو روحيًا وفهم واختبار حقيقة عمق محبة الله لنا وكيف يتسنـَّى لنا مشاركتها مع الآخرين. "والرب ينميكم ويزيدكم في المحبة بعضكم لبعض وللجميع، كما نحن أيضًا لكم" (الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي 3: 12).
 
 في أحد الأيام، وبينما كنت في المطبخ أجهِّز الطعام، لم يكن مزاجي جيداً بسبب بعض المشاكل العائلية. كنت أرغب في التحدث إلى زوجي، لكنني لم أعلم الطريقة التي أتواصل بها معه ولا الكيفية التي أطلب بها ما أريده! لم أعرف كيف أعبِّر عن مشاعري له دون أن أنفعل أو أخلق مشكلة أخرى! فغضبت أكثر وشعرت بالتعاسة. وقد أثـَّرت هذه المشاعر على الطريقة التي كنت أتصرَّف بها، إذ كنت أستخدم أواني وأدوات المطبخ بعنف، وكنت أفتح وأغلق أبواب الخزانات بقوَّة غير مُكترثة بما كنت أحدثه مِن أضرار وأصوات مزعجة. عندما لاحظ زوجي هذا، تفهَّم الوضع وقرر أنه من الأفضل أن يتركني بمفردي إلى أن أهدأ. إلا أنَّ هذا التـَّصرّف زاد من عصبيتي. فحدثت مشكلة أخرى غير المشاكل الموجودة أصلاً!
 
بعد مرور بضعة أسابيع من تعرُّفنا على مقومات واحتياجات العلاقات الناجحة، وبينما كنت أقوم بإعداد الطعام، فكـَّرتُ مع نفسي، تـُرى... أي من هذه الاحتياجات أنا بحاجة شديدة إليها! من الناحية النفسية والمعنوية، كنت بحاجة ماسة إلى الدَّعم والمُساندة والتشجيع. أما من الناحية العملية، فقد كنت أريد من زوجي أن يساعدني في تحضير العشاء وأن نتحدَّث سويًا عن يومنا، وأن يُشجِّعني ويُعبِّر لي عن حبِّه!
 في هذه المرة، وعندما لاحظ زوجي الانزعاج بادياً على وجهي، لم يتركني بمفردي بل جاء ليساعدني في إعداد السلطة. وهكذا ابتدأ الحوار بيننا، وأخبرته بأنني بحاجة للتشجيع، وطلبت منه أن يعانقني ويُعبِّر لي عن حبِّه. وهذا ما حدث في جو رائع من التفاهم والانسجام. بعدها، ابتدأ زوجي يُحدِّثني عن يومه المُتعِب. لقد كان هو أيضاً بحاجة إلى التشجيع والراحة بعد يوم عمل طويل. كان بحاجة لمن يستمع إليه ويواسيه ويُخفـِّف من هموم عمله ويرعاه.
 
 بالرغم من أننا نشعر أحياناً وبصورة فطرية وبدون معرفة علمية بأن الطرف الآخر في العلاقة يحتاج إلى بعض التشجيع أو التقدير أو الاحترام، إلا أننا لا نقدِّم له هذه الاحتياجات إما عمداً أو نتيجة وجود عوائق تحول دون تلبية احتياجاته.
نذكر منها:
1. الاعتقاد بأن احتياجاتنا نحن أهم من احتياجات الآخرين (الأنانية والطمع).
2. الاعتقاد أنه بمقدورنا تلبية كافة احتياجاتنا بقوتنا الشخصية (الاكتفاء الذاتي والكبرياء). إلا أن هذا القرار خاطيء وليس فيه شيء من الصحَّة لأنه يؤدي إلى العزلة والوحدة وبالتالي انقسام المجتمع.
3.الشعور بالذنب إذا حاول الآخرون أن يلبوا احتياجاتنا (المُبالغة بالتضحية بالنفس).
4.عدم المعرفة بحقيقة المشاعر الإنسانية وكيفية التجاوب معها لبناء علاقات متينة.
 
 نشكر الله أن الأسباب التي كانت تمنعنا من تلبية حاجاتنا لبعضنا كانت ناتجة عن جهلنا لشخصياتنا وشفافيتنا في التعامل. أما الآن، فقد أصبح لدينا الوعي بأننا عندما نلاحظ أحدنا يتصرَّف بطريقة غريبة، نسأل أنفسنا هذا السؤال: "ما هي الاحتياجات التي يحتاجها شريكي في علاقتنا حالياً؟ ما الذي يمكنني القيام به لتلبيتها والتعبير عن حُبِّي له؟" إنَّ نفس هذا السؤال من شأنه أيضًا أن يؤثر إيجابيًا على علاقاتنا بأولادنا وكل من يحيط بنا.
 
إن اعتقادنا بأنَّ أولئك الذين يحبوننا يتوجَّب عليهم أن يعرفوا مِن تلقاء أنفسهم ما نحن بحاجة إليه وأن يكونوا قادرين على تلبية هذه الاحتياجات في أي وقت نريده هو أمر بعيد تمامًا عن أرض الواقع. ولكن، يمكننا تنمية هذه القابليات والقدرات مِن خلال تعرُّفنا على بعض بصورة أفضل، ومِن خلال توطيد علاقاتنا ببعض بشكل أكبر. والسرُّ الذي تعتمد عليه هذه الإمكانية والقدرة هو أن نـُعرِّف الطرف الآخر بما نحتاج إليه وأن نكشف له أنسب الطرق لتلبية هذه الاحتياجات. وبنفس الكيفية، علينا السعي لمعرفة ما يحتاج إليه الطرف الآخر وتلبية احتياجاته. فاحرص على تلبية الاحتياجات الأساسية للعلاقات لتنعم بحياة أسعد وأهنأ في زواجك، عائلتك، محيط عملك، ومع جيرانك.
 

 

 

 

 

 

 

نحبّ أن نسمع منك، فأسئلتك وتعليقاتك هي دائماً موضوع اهتمامنا!