مرض التوحد عند الأطفال

                                               هل يعاني طفلك من مرض التَّوَحُّد؟
 
            إنَّ مُصطلح "التَّوَحُّد" هو تسمية جديدة وتصنيف جديد لمرض ذُكِرت بعض أعراضه في سجلات بعض الأطباء القدماء. ومِن المُحزن الاضطلاع على تلك السجلات التي ظهر فيها بأنَّ بعض مرضى التَّوحُّد عولِجوا وعومِلوا على أساس أنهم مُصابين بمسٍّ شيطاني، فتعرَّضوا إلى الضرب، والحرمان، والتعذيب، بدلاً من الرعاية. ومع الأسف، ما زال البعض في عصرنا هذا يجهلون طبيعة مرض التَّوحُّد فيسيئون مُعاملة الأطفال المصابين به. فما الذي نستطيع أن نُحْدِثه من تغيير لتحسين حياة الأطفال المُتألمين؟
 
            الوعي والمعرفة والقُدرة على تمييز الأعراض هي ما يُمكن أن يصنع فرقًا في حياة الأطفال المُتوحِّدين. فلنبدأ بما نعرفه عن الأطفال الأصحاء، لنميِّز بالتالي الخلل في المرضى. إنَّ كل طفل حديث الولادة يمرُّ خلال السنين الثلاثة الأولى من حياته بمراحل أساسية للنمو، ستؤثر على: علاقاته الاجتماعية، وقدرته على حل المشاكل، ومهاراته في استخدام اللغة وأساليب التواصل، وقدراته الفيزيائية والجسدية. ولكن، في حال انعدم نمو إحدى هذه النواحي، يوصَف الطفل بأنه يُعاني مِن اضطراب في النمو. وما مرض التَّوحُّد إلا اضطراب في النمو العصبي للدماغ، يتميَّز بإضعافه لمقدرة الطفل على التفاعل الاجتماعي، وإحداثه لخلل في أساليب التواصل، وظهور سلوكيات غريبة مُتكرِّرة ومُحدَّدة. وغالبًا ما يكون الأهل (خاصة الأم) هم أوَّل الذين يلاحظون إصابة طفلهم بمرض التَّوحُّد، ولهذا من الضروري لك عزيزتنا الأم أو المُربِّية الفاضلة أن تتعرَّفي إلى الإشارات الدَّالَّة على الإصابة بالتَّوحُّد، وإليكِ أهمها في المجالات الثلاثة:
 
صعوبات في التفاعل الاجتماعي. يُحِب الأطفال الرُّضَّع النَّظر إلى الوجوه، الالتفات إلى مصادر الصوت، الامساك بالأصابع، والابتسام بعمر شهرين أو ثلاثة؛ ولكن الأطفال المصابين بالتَّوحُّد يُواجهون صعوبة للانخراط في مثل هذه التفاعلات، حتى أنَّ أهل المريض يظنُّون بأنه يكرههم أو أنه بلا مشاعر، إلا أنَّ هذا خطأ كبير جدًا، لأنَّ أطفال التَّوحُّد حسَّاسون لكنَّهم لا يعرفون كيف يُعبِّرون عن مشاعرهم. فطفل التَّوحُّد:


•         لا يتجاوب أو لا يردّ على مَن يُناديه باسمه.
•         لا يردُّ الابتسامة بغيرها إذا ابتسم له أحد (في عمر ستة أشهر).
•         لا ينظر إلى وجهك أو عينيكِ أو أي شخص يتحدَّث معه.
•         لا يُظهِر علامات الفرح والابتهاج عند عودتِك من السوق أو عودة والده من العمل.
•         لا يُقلِّد حَرَكات الغير، سواء أكانت الحركات ضمن أغنية للأطفال، أو مُجرَّد تحيَّة (٦-١٢ شهر).


•         عدم رفعه لذراعيه أو يديه عندما يراكِ بقُربه لتحمليه.
•         لا يعرف كيف يبتسم أو يعبس أو يضحك. ومهما حاول الشخص المُقابل التفاعل معه من خلال تعابير وملامح الوجه والحركات، فسينظر إليه طفل التَّوحُّد بِغَرَابة وبدون ردود أفعال أو انفعالات.
•         لا يندمج باللعب مع الأطفال الآخرين ويُفضِّل اللعب لوحده.
•         لا يرغب في مُشاركة أي شيء مع الآخرين ـ حتى مع إخوته وأخواته.
•         حسَّاس جدا تجاه اللَّمس، وقد يغضب أو يصرخ أو يبكي إذا لمسه شخص.
•         لا يستمتع بوجود الآخرين ولا يشاركهم اهتماماتهم ولا حتى اهتماماته هو.
•         قليل الاهتمام بالناس المُحيطين، وغالبًا ما ينسحب من المناسبات الاجتماعية ليتقوقع في عالمه الخاص بعيدًا عن الآخرين.

•         تُشير الدراسات الحديثة إلى أنَّ البنات الصغيرات لا يتم تشخيص إصابتهنَّ بمرض التَّوحُّد في وقت مُبكِّر لأنَّهنَّ لا يواجهن صعوبات في التفاعل الاجتماعي، بل أنَّ مستواه يُقارب مستوى التفاعل الاجتماعي عند البنات والأولاد الأصحاء في نفس الفئة العمرية. ولهذا عزيزتنا الأم، إذا كان لديك ابنة، عليكِ الاهتمام أكثر بالدلائل المتعلقة بأساليب التواصل والسلوكيات الغريبة لأنها أكثر تأثيرًا على البنات.
 
صعوبات في أساليب التواصل.


            إنَّ أغلب الأطفال بعمر السنة يتمكَّنون من: نطق كلمتين أو ثلاثة، يُشيرون إلى الأشياء التي يريدونها أو يريدونكِ أن تنتبهي إليها، يستخدمون أصواتهم للتعبير عمَّا يُعجبهم أو لا يُعجبهم. لكن أطفال التَّوحُّد لا يعرفون بأنَّ هناك كلمات أو إشارات أو أصوات يُمكن أن تُعبِّر عمَّا يريدونه! ربما تغضبين لأن طفلك لا يُنفِّذ ما تقولينه له، والمشكلة ليست في معاندته لك بل في عدم فهمه واستيعابه لما طلبته منه (التواصل المنطوق). الأمر الآخر هو أنَّه لا يفهم بأنَّ غضبك الظاهر من خلال تعابير وجهك، ونبرة صوتك، وحركات جسدك هو تعبير عن حزنك واستياءك، لأنه يجهل أساليب التواصل غير المنطوقة (الظاهرة عليكِ). وإليكِ إشارات دالَّة على التَّوحُّد في مجال التواصل:
•         عدم ترديد الأصوات من بعد الآخرين (بعمر تسعة أشهر).
•         قلَّة الثرثرة (كلام الطفل مع نفسه)، ونُدرة النُّطق بكلمات غير مفهومة (بعمر ١٢ شهر).
•         قد يبدأ الطفل بالثرثرة وبنطق بعض الكلمات وإصدار الأصوات خلال الأشهر الأولى، إلا أنه يفقد هذه القدرة لاحقًا.
•         عدم الإشارة إلى الأشياء للحصول عليها أو للفت انتباه الآخرين إليها (بعمر ١٢ شهر).
•         عدم النطق ببعض الكلمات المفهومة (بعمر السنة والنصف).
•         لا ينطق الطفل بأي شيء إلا مُردِّدًا لما يسمعه من الشخص الذي يُكلِّمه كأنه ببغاء.
•         عدم المقدرة على تركيب جُمَل مفهومة مُكوَّنة من كلمتين فقط (بعمر السنتين).
•         صعوبة ربط الكلمات مع بعضها وتركيب جملة مفيدة. قد يكتفي الطفل بقول كلمة واحدة فقط من جملة، أو قد يقول كلمات متفرقة ومُبعثرة غير مُرتَّبة في جملة.
•         عدم المقدرة على التعبير عن آلامه نتيجة للجروح أو الإصابات لأنه لا يعرف كيف يمكنه أن يُعبِّر أو يصف ما يشعر به.
•         أحيانًا قد تتأخر البنت الصغيرة في الكلام، والمشي إلى أن تصل إلى ٣ سنوات! ومع أنَّ هذه المشاكل قد تدلُّ على الإصابة بالتَّوحُّد، إلا أنَّ أغلب الأهل وحتى بعض الأطباء يستبعدون احتمال إصابتها لأنَّها اجتماعية جدًا، وسعيدة، وهانئة. ولكن بالنسبة لكِ عزيزتنا، نطلب منك الاهتمام بحالة الفتاة وعدم إهمال تأخر نموها في هذا المجال.
 
سلوكيات واهتمامات مُحددة ومُتكرِّرة.


•         رفرفة الذراعين كأن الطفل يطير، أو التصفيق، أو القفز، أو الدوران، أو حركات محددة ومُكررة للأصابع واليدين بدون سبب.
•         الميلان أو الاهتزاز يمينًا وشمالاً أو إلى الأمام والخلف.
•         الانزعاج من الأصوات ومُحاولة الاختباء منها إما في خزانة أو صندوق.
•         الضحك أو البكاء أو الصراخ بدون سبب.
•         نشاط زائد مع إفراط في الحركة وانعدام التركيز وعدم القدرة على الجلوس على كرسي لفترة من الزمن؛ أو ربما العكس كلِّيًا.
•         تعلُّق شديد ببعض الأشياء مثل: مخدة، بطانية، لعبة يحملها معه دائمًا.
•         الإصرار على الاحتفاظ ببعض الأشياء الغريبة، مثلاً: حصاة صغيرة، أو حفنة من الرَّمل.
•         الاهتمام ببعض الأشياء في المنزل أكثر من اللازم، مثلاً: المروحة، المكنسة الكهربائية، مغسلة الحمام.
•         العدوانية والعنف غير الطبيعيين والميل إلى إيذاء النفس كضرب الرأس بالحائط، أو شدّ الشعر، أو عض اليدين أو القدمين، أو الميل إلى إيذاء الآخرين.
•         ترتيب الألعاب بشكل مميَّز وطريقة مُعيَّنة بدلاً من اللعب بها ـ ربما مِن الأكبر إلى الأصغر أو بالعكس.
•         الانزعاج من أي تغيير يحدث على أثاث غرفته أو طريقة ترتيب أغراضه.
•         الاهتمام إلى درجة الهَوَس بـ: الأرقام، الرموز، التواريخ، أو موضوع مُعيَّن.
•         السير في مسارات مُحدَّدة على الطريق المؤدِّي إلى المدرسة.
•         معرفة دقيقة عن قصَّة أو اختراع مُعيَّن وإعادة مُشاركة هذه المعرفة مرارًا وتكرارًا وبدون تجديد.
•         مشاكل في التبول أو الإخراج اللاإرادي.
•         قد لا تُساعدك الدلائل في المجالين السابقين للتعرف على مشكلة طفلتك الصحية، إلا أنَّ الدراسات الحديثة تُشير إلى أنَّ البنات يُعانين من مَشاكل كثيرة وصعبة في السلوكيات، والإعاقة عقلية أكثر بكثير من الأولاد الصغار.
 
            بالرغم من عدم توفُّر تحليل مُختبري للكشف عن الإصابة بمرض التوحُّد، إلا أنَّ هناك أطباء متمرِّسين، وعلماء نفس، وأخصائيي لغة وكلام، ومعالجين مهنيين مُتخصصين بتشخيص سلوكيات مرض التوحُّد. ومتى تمَّ التشخيص، ستتوفَّر للأهل أساليب علاجية مُختلفة سيستفيد منها الطفل كثيرًا. وبالإضافة إلى العلاج الدوائي، هناك العلاج التعليمي والتربوي، بالإضافة إلى العلاج السلوكي الذي يتضمَّن تعليم الطفل مهارات النطق والكلام والتواصل، وكيفية التعامل مع الآخرين، بالإضافة إلى تشجيع السلوكيات الايجابية وتقليل السلبية. فلا تُضيِّعي وقتك بالبكاء والاستسلام لمرض التَّوحُّد، بل سارعي بقرع الأبواب التي متى فُتِحت أمامَك، ستمنح طفلك صوتًا ليتمكَّن من التعبير عن مشاعره واحتياجاته ليعيش حياة أفضل ويضمن مستقبلاً أأمَن. فتعلَّمي وعلِّمي غيرك الإشارات الدَّالَّة على مرض التَّوحُّد لتساعدي طفلاً آخر من أطفال التَّوحُّد، ولا تتعاملي مع الطفلة الصغيرة كما تتعاملين مع الصبي الصغير، بل ركِّزي على نقاط الاختلاف ولا تعتمدي على الدراسات القديمة التي حرمت الكثير من فتياتنا من حق التشخيص السريع والرعاية والعلاج. فكلما كان التشخيص والعلاج مبكرا في العمر، كلما كانت النتيجة أفضل بكثير.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

نحبّ أن نسمع منك، فأسئلتك وتعليقاتك هي دائماً موضوع اهتمامنا!