الرجولة الحقيقية

الرجولة الحقيقية

 

 

"الرجولة" كلمة  يُساء فهمها كثيرًا في زمننا الحاضر. وقد تلاحظ عند بعض الشباب تعريفات شائعة عن الرجولة، إلا أنها مع الأسف خاطئة. أذكر لك منها:

 

الرجل هو الذي لا يترك خطيبته تذهب بمفردها في مشاويرها، بل يرافقها دائماً.

الرجل هو الذي يُدخِّن ويشرب.

الرجل هو الذي يفرض سيطرته على أفراد عائلته ويرفع صوته على أخواته أو قد يضربهنَّ في بعض الأحيان.

الرجل هو من يتمسَّك برأيه ويتجاهل تمامًا ما يقوله الآخرون.

الرجل هو من يُخرِج كلمات بذيئة مِن فمه ويسبّ الآخرين ويلعنهم.

الرجل هو من يأخذ حقـَّه بذراعه حتى لو اضطرَّه ذلك دخول السجن.

الرجل هو من يخدع فتاة - واعداً إياها بالزواج، ويُشوِّه سمعتها وصيتها.

الرجل هو من يصرف كل أمواله على أصدقائه والسَّهر.

الرجل هو من يخون زوجته.

الرجل هو من يستخدم سلاحاً للاعتداء على الآخرين مُحدِثاً لهم عاهات مُستديمة.

الرجل هو الذي يمنع أخواته من التعلـُّم والذهاب إلى المدارس.

 

 

 لا أدري إذا كـُنتَ ستوافقني أم لا، إلا أنني أعتقد بأن حلم الرجولة هو شغل الأطفال الشاغل. فمنذ الصِّغـَر يهتم الذكور من الأطفال بحقيقة أنهم سيصبحون رجالاً. فنراهم يُقلـِّدون آباءهم أو يُعجَبون ببعض نجوم الإعلام فيتـَّخذونهم أمثلة للرجولة ويطمحون لأن يشابهونهم في كبرهم.

 

ومع مرور السنين، نرى أولئك الأطفال يتباهون ويفتخرون بازدياد أطوالهم وبتقدُّمهم في الدراسة. معظمهم يشعر بسعادة فائقة لمجرَّد ملاحظتهم النمو السريع لأجسادهم وتغيُّر أصواتهم أو ظهور شواربهم ولحاهم بالإضافة إلى بعض التغييرات الجسمية الأخرى التي تطرأ عليهم إذ يدخلون طور المُراهقة الرجولة.

 

ولكن هل هذا هو كل ما تعنيه الرجولة الحقيقية؟ هل الرجولة الحقيقية تتعلق بالنمو الجسماني فقط؟ هل هي مُجرَّد رمز يسعى إليها الأطفال ليصلوا إليها ويحققوها في المستقبل؟

 

 اسمح لي أن أوضح لك من البداية بأن التغييرات الجسدية التي ذكرت بعضها هامة طبعاً للتأكيد على الرجولة من الناحية الجسدية، ولكن، هناك أكثر من ذلك بكثير فيما يتعلـَّق بالرجول الحقيقية. فبالإضافة إلى نمو وتغيُّر الجسم، هناك بعض الأشياء الهامة التي تجعل من الطفل أو المُراهق أو الشاب رجلاً حقيقياً.

 

من الحري بك أن تعرف بأن مواقف الحياة تعلـِّمنا الكثير، وقد تـُظهر فينا أو ربما تـُكسِبنا صفاتاً جديدة – منها الحميد أو الخبيث، وما عليك إلا أن تسمح لنفسك أن تتعلـَّم وتكتسب كل ما هو مفيد وترفض كل خبيث لتنمو بالنتيجة نحو رجولة حقيقية كاملة.

 

أحد الأشياء التي تعلمتها على مر السنين هو أن الحياة تـُعلـِّم الإتضاع. مع الأسف لا تولد صفة الاتضاع فينا منذ الطفولة، إلا أننا من الممكن أن نكتسبها خلال حياتنا. أما إذا قاومنا الاتضاع ولم نتبنـَّاه في المواقف التي كان يتوجَّب علينا أن نتبنـَّاه فيها، فلن نكتسب هذه الصفة لاحقاً!

 

قبل أن نتقدَّم في مفهوم الرجولة الحقيقية، على كل مراهق أو شاب أن يتعرَّف على نقاط القوة والضعف في شخصيته. ليس هذا فقط، بل على الشاب أيضاً أن يفكـِّر فيما يمكن أن يقدِّمه إلى العالم المحيط به. ليس من رجل كامل على هذه الأرض، فالكمال لله وحده. إلا أننا جميعاً نسعى للكمال، وهذا ما يجب عليك أن تفعله. ذكـِّر نفسك يومياً بأنك تسعى للرجولة الحقيقية، فهذا التفكير سيفسح لك المجال للنمو والتـَّقدُّم.

 

 

 إليك عزيزي بعض الصفات العامَّة التي يتميَّز بها الرجل الحقيقي:

 

1.    الحكمة والتواضع

2.    احترام الآخرين واحترام وجهات نظرهم وعدم استصغار شأنهم

3.    التشجيع والنقد البنـَّاء

4.    الشهامة والمروءة

5.    صون عفـَّة وطهارة الفتيات

6.    إكرام الوالدين وحسن معاملتهم

7.    الكياسة (الأدب) والرِّقة

8.    تحمُّل المسؤولية وعدم إلقاء اللوم على الآخرين

9.    قبول الإرشاد والتعليم أو حتى النقد بروح وديعة

10. إدراك قيمة العمل

11. القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب والسعي دائمًا صوب اِتخاذ القرارات الحكيمة

 

 

 من البديهي أن يتميَّز الرجل الحقيقي بصفات كالتي ذكرناها، ولكن ماذا عن التفاصيل وبواطن الأمور؟ إليك بعض النقاط التي تمكنـِّك من استيعاب وتبنـِّي بعض المفاهيم بصورة أبسط وأوضح. لم أرغب في إطالة القائمة عليك، إلا أنني اخترت وأوردت ما يلي - لا للحصر بل لمجرَّد العرض والتذكير.

 

1.    الرجل الحقيقي يُعامل المرأة باحترام. أما الرجل الذي لا يُعامل المرأة باحترام، فهو ليس رجلاً. قال أحدهم: "كيف تتوقع من سيدة أن تكون سعيدة مع رجل يُصرّ على معاملتها وكأنها نـَكِرَة!".

 

2.    الرجل الحقيقي يُدرك جيدًا أن السعادة تكمن في مساعدة الآخرين وليس في التركيز على الذات والأنانية.

 

3.    الرجل الحقيقي لا يقف ساكناً في مكانه غير متفاعل مع العالم من حوله! عليه أن يسعى دائمًا لينخرط في مجتمعه بهدف الخدمة والمساعدة، مكرِّساً جهوده ومستفيداً مما حوله لتحسين مجتمعه وتطويره.

 

4.    الرجل الحقيقي إما أن يكون قيادياً أو تابعاً – ليس من فرق ما بين الاثنين. فالقيادي له رؤية وحلم ومهارة تمكـِّنه من قيادة عائلته أو أصدقائه أو مجتمعه. أما الرجل التابع، فهو الذي يُساند القائد في تحقيق الحلم والرؤية لصالح المجتمع، وهو الذي يدعم ويجعل بالإمكان تحقيق الهدف. لا يمكن لمسيرة الحياة أن تستمر لو ابتغى كل رجل أن يصبح قائداً! فالرجولة لا تنحصر في دور القيادة.

 

5.    الرجل الحقيقي يُعتـَمَدُ عليه بكل ما في الكلمة من معنى.

 

6.    من أقوال جاليليو جاليلي، عالم الفلك والفيلسوف والفيزيائي الإيطالي: "لا تستطيع أن تـُعلـِّم رجلاً أي شيء، ولكنك تستطيع أن تساعده على إكتشاف ذلك الشيء". إن طبيعة الرجل لا تسمح له بالتـَّغيُّر إلا في حالات نادرة. ويمكننا القول بأن الرجل "لا يتغيَّر" بل "يتطوَّر" أو "يتقدَّم". ولذلك، على المرأة ألا تحاول تغيير زوجها، بل عليها أن تساعده على تطوير وتنمية ذاته.

 

7.    الرجل الحقيقي لا يلجأ إلى المُشاجرات أو الصياح أو استخدام القوة ولا حتى التـَّفوُّه بكلمات بذيئة لغرض حماية عائلته والدِّفاع عنها. إلا أن عليه أن يكون حريصًا أشدَّ الحرص على توفير الأمن والراحة والسعادة لأفراد عائلته من خلال طرق أخرى.

 

8.    على كل رجل حقيقي أن يسعى لتحقيق هدف بعيد كل البُعد عن مطامعه ومكاسبه الشخصية.

 

9.    قال حكيم: "إن العديد من الإنجازات العظيمة في العالم تم تحقيقها بواسطة رجال اختبروا الفشل والتعب والإحباط، إلا أنهم استمروا في العمل". يمكن للرجل الحقيقي أن يُحبَط ويحزن ويفكـِّر في التراجع والاستسلام، لكنه لن يتراجع ولن يستسلم حتى لو اشتدَّت الأزمات وزادت المِحَن.

 

10.     الرجل الحقيقي لا يلوم الآخرين ولا يوجِّه النقد اللاذع لهم.

 

11.     الرجل الحقيقي لا يخجل من نفسه ومن مظهره والطريقة التي يعيش بها حياته. إلا أن هذا لا يعني أن يتغاضى عن تحسين وضعه والاهتمام بمظهره وطريقة حياته قدر الإمكان.

 

12.     إن الرجل الذي يتمتع بالرجولة ليس بمنأى عن مواجهة المخاوف، إلا أنها لا تسيطر عليه ولا تتحكم فيه.

 

13.     الرجل الحقيقي يتعلـّم من أخطائه ويجعلها تعود في النهاية لفائدته.

 

14.     الرجل الحقيقي لا يستحي بإيمانه، ولكنه يسعى دائمًا لتطبيق المبادئ القويمة الموجودة فيه. فعلى سبيل المثال، على المؤمن الحقيقي أن يُطبِّق مثال السيد المسيح في محبة الآخرين وحتى محبة الأعداء، لا بالقول فقط بل بالعمل أيضاً.

 

نحبّ أن نسمع منك، فأسئلتك وتعليقاتك هي دائماً موضوع اهتمامنا!