الحقيقة عند الله

لنتذكّر آدم وحواء وكيف كانت حياتهما عندما خلقهما الله. سنجد أنّ الله خلق الإنسان بارّاً سعيداً، وخلق له كلّ شيء جميل ومبهج للعين بدون أي فساد. لقد صنع الله كل هذا مِن أجل راحة وسعادة الإنسان الذي صنعه بيده وخلقه على شبهه ومثاله. لقد صنع الله كلّ شيء ملائم لحاجة كلّ كائن على الأرض، فعندما ننظر إلى الطبيعة بكل ما فيها من كائنات مختلفة الأشكال والأحجام والألوان نرى الطيور التي تحلّق في السماء بكلّ سعادة والزواحف التي تدبّ على الأرض والكائنات المائية التي تسبح في قاع المحيطات. فالطبيعة تشهد شهادة الوحي بأنّ "الله محبّة"، ومن هنا نرى محبة الله العميقة لنا واهتمامه بنا في كل صغائر حياتنا. 
 
بالفعل، فلقد خلق الله الإنسانَ بارّاً سعيداً، وصنع له الأرضَ الجميلةَ الخالية من كلِّ لعنة، والبريئةً من كلِّ فسادٍ، أمّا اللّعنة والموت فقد جلبهما الخطية والتعدّي على ناموس الله – ناموس المحبة. عندما أتت الخطية جلبت معها الآلام والضيقات ومصاعب الحياة. فعندما أخطأت حواء كانت النتيجة: "تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ." (تكوين 3: 16). وأيضاً عندما أخطأ آدم النتيجة كانت: " ملعونة الأرض بسببك" أي لأجلك. "وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ". (تكوين 3: 18).
 
بالرغم من أنّ الخطية جلبت معها العناء والشقاء إلا أن الطبيعة لم تزل تحمل رسائل العزاء والرجاء، إذا أن حسكها تعلوه الأزهار وشوكها تكسوه الورود. إنّ الله وإن كان يسمح بالمتاعب التي تجلبها الخطية ولكنه يستخدمها لترفعنا وتوصلنا إلى الكمال، وهذا يدلّ على محبة الله لنا مع أننا نحن مَن أخطأنا وعصينا كلام الله باتّباع الشيطان وسبّبنا كل هذا العناء لأنفسنا، فليس مِن المفترض أن نشكو ونتذمر على ما يحدث لنا من مصاعب ومصائب، بل أن نشكر الله على غفرانه لنا وحسناته علينا التي تظلّ معنا بالرغم من أخطائنا المستمرة.
 
        إنّ الله لم يكتفِ بإعلان محبته لنا مِن خلال ما نراه مِن حولنا ولكنه أعلن ذاته وصفاته للبشر على مرّ العصور، فحين طلب موسى أن يرى مجد الرب نال طلبه"فَاجْتَازَ الرَّبُّ قُدَّامَهُ، وَنَادَى الرَّبُّ: «الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ. حَافِظُ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ. وَلكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً. مُفْتَقِدٌ إِثْمَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ، وَفِي أَبْنَاءِ الأَبْنَاءِ، فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ."(خروج 34: 6-7). وكذاك النبي يونان "لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ إِلهٌ رَؤُوفٌ وَرَحِيمٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَنَادِمٌ عَلَى الشَّرِّ." (يونان 3: 2). والنبي ميخا "مَنْ هُوَ إِلهٌ مِثْلُكَ غَافِرٌ الإِثْمَ وَصَافِحٌ عَنِ الذَّنْبِ لِبَقِيَّةِ مِيرَاثِهِ! لاَ يَحْفَظُ إِلَى الأَبَدِ غَضَبَهُ، فَإِنَّهُ يُسَرُّ بِالرَّأْفَةِ." (ميخا 7: 18).
 
والأهم من هذا كله أنّ الله أعلن محبته لنا عندما أرسل ابنه الوحيد لكي يموت من أجل خطايانا ويعيش تحت الآلام مثلنا، وخدم البشرية المتألمة مجرّباً في كل شيء ــ مع أنه ملك الملوك ورب الأرباب ــ وصنع عجائب وآيات ومعجزات مع الكثيرين من أحبائه وأعدائه.  وعلى الرغم من ذلك فقد استطاع الشيطان بكل نجاح أن يعمي البصائر والأذهان وأن يضلّ الناس ويجعلهم ينظرون إلى الله بنظرة خوف ورعب غير واثقين من غفرانه ورحمته، وأقنعهم بأن يصفوا الله بالإله القاسي الذي لا يرحم ولا يشفق، الإله الذي يحصي على الناس زلاتهم ويراقب سيئاتهم ليوقع بهم وأخيراً ينتقم منهم، ولكن بمجيء المسيح إلى الأرض استطاع ثانيةً أن يغير تلك النظرية الخاطئة وأن يوضّح لنا كم أنّ الله إله رحوم وغفور ومحبّ للإنسان وكاره للخطية، وقد وضع خطة لفداء الإنسان وخلاصه من خطاياه وشروره. لقد أظهر السيد المسيح أنّ الله هو الحصن الذي ينبغي أن نلجأ إليه عندما نخاف وليس الله هو مصدر الخوف في حياتنا، كما رنم داوود النبي "اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ."(مزمور 27 :1).

 

نحبّ أن نسمع منك، فأسئلتك وتعليقاتك هي دائماً موضوع اهتمامنا!